انحطت على الكعبة ، فدارت فيها ، فإذا هي جراد ذوات أجنحة خضر كالملاحف ، فأطافت بالكعبة ما شاء الله ، ثم تطايرت شرقا وغربا ، لا تمر ببلد إلا أحرقته ، ولا بحصن [1] إلا حطمته ، فاستيقظت وأنا مذعور القلب وجل . فيقولون : لقد رأيت هؤلاء ، فانطلق بنا إلى الأقيرع [2] ليعبرها ، وهو رجل من ثقيف ، فيقص عليه الرؤيا ، فيقول الأقيرع [3] : لقد رأيت عجبا ، ولقد طرقكم في ليلتكم جند من جنود الله ، لا قوة لكم بهم . فيقولون : لقد رأينا في يومنا هذا عجبا . ويحدثونه بأمر القوم . ثم ينهضون من عنده ويهمون بالوثوب عليهم ، وقد ملأ الله قلوبهم منهم رعبا وخوفا ، فيقول بعضهم لبعض ، وهم يتآمرون بذلك : يا قوم لا تعجلوا على القوم ، إنهم لم يأتوكم بعد بمنكر ، ولا أظهروا خلافا ، ولعل الرجل منهم يكون في القبيلة من قبائلكم ، فإن بدا لكم منهم شر فأنتم حينئذ وهم ، وأما القوم فإنا نراهم متنسكين وسيماهم حسنة ، وهم في حرم الله ( تعالى ) الذي لا يباح من دخله حتى يحدث به حدثا ولم يحدث القوم حدثا يوجب محاربتهم . فيقول المخزومي ، وهو رئيس القوم وعميدهم : إنا لا نأمن أن يكون وراءهم مادة لهم ، فإذا التأمت إليهم كشف أمرهم وعظم شأنهم ، فتهضموهم [4] وهم في قلة من العدد وغربة [5] في البلد قبل أن تأتيهم المادة ، فإن هؤلاء لم يأتوكم مكة إلا وسيكون لهم شأن ، وما أحسب تأويل رؤيا صاحبكم إلا حقا ، فخلوا لهم بلدكم وأجيلوا الرأي ، والأمر ممكن . فيقول قائلهم : إن كان من يأتيهم أمثالهم فلا خوف عليكم منهم ، فإنه لا سلاح
[1] في " م ، ط " : بحضر . [2] في " ط ، ع " : الأقرع . [3] في " ط " : الأقرع . [4] تهضمه : أذله وكسره . [5] في " م ، ط " : وغرة .