وخفقت طائرة بإذن الله ( عز وجل ) ، فإن كنت صادقا فيما توهم ، فأحيي هاتين [1] الصورتين وسلطهما علي ، فإن ذلك يكون حينئذ آية ومعجزة ، وأما المطر المعتاد فلست بأحق أن يكون جاء بدعائك دون دعاء غيرك من الذين دعوا كما دعوت . وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه ، وكانا متقابلين على المسند ، فغضب علي بن موسى ( عليه السلام ) وصاح بالصورتين : دونكما الفاجر ، فافترساه ، ولا تبقيا له عينا ولا أثرا ، فوثبت الصورتان وقد عادتا أسدين ، فتناولا الحاجب ورضضاه وهشماه ، وأكلاه ولحسا دمه ، والقوم متحيرون ينظرون . فلما فرغا منه أقبلا على الرضا ( عليه السلام ) ، وقالا : يا ولي الله في أرضه ، ماذا تأمرنا أن نفعل بهذا ، أنفعل به ما فعلناه بصاحبه ؟ وأشارا بالقول إلى المأمون ، فغشي عليه مما سمع منهما ، فقال الرضا ( عليه السلام ) لأصحاب المأمون وحاشيته : أفيضوا عليه ماء الورد والطيب . ففعلوا به ذلك ، فأفاق من غشيته ، وعاد الأسدان يقولان : إئذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه . قال : لا ، فإن لله ( عز وجل ) فيه تدبيرا هو ممضيه . قال الأسدان : فما تأمرنا ؟ قال : عودا إلى مقركما كما كنتما . فعادا إلى المسند ، وصارا صورتين كما كانا . فقال المأمون : الحمد لله الذي كفاني شر حميد به مهران - يعني بذلك الرجل المفترس - . ثم قال للرضا ( عليه السلام ) : يا بن رسول الله ، هذا الأمر لجدكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم لكم ، ولو شئت لنزلت لك عنه . فقال الرضا ( عليه السلام ) : لو شئت لما ناظرتك ولم أسألك ، فإن الله ( عز وجل ) أعطاني من طاعة سائر خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين ، إلا جهال بني آدم ، فإنهم وإن خسروا حظوظهم ، فلله ( عز وجل ) فيهم تدبير ، وقد أمرني ربي بترك الاعتراض