فركبت حماري ، وانطلقت نحو الفج الذي وصف لي ، فإذا أعرابي معه حملين حطب ، فاشتريتهما منه ، وأتيته ، فاستوقدوا منه يومهم ، وأتيته بظرف مما عندنا ، يطعم منه . ثم قال : يا أبا خالد ، انظر خفاف الغلمان ونعالهم ، فأصلحها حتى نقدم عليك يوم كذا وكذا ، من شهر كذا وكذا . قال أبو خالد : وكتبت تاريخ اليوم ، وليس همي غير هذه الأيام ، فلما كان يوم الميعاد ركبت حماري ، وسرت أميالا ، ونزلت ، فقعدت عند الجبل أفكر في نفسي ، وأقول : والله ، إن وافاني هذا اليوم الذي قال لي ، فإنه الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه ، لا يسع الناس جهله . فقعدت حتى أمسيت ، وأردت الانصراف ، فإذا أنا براكب مقبل ، فأشرت إليه فأقبل إلي فسلم ، فرددت عليه السلام ، فقلت : وراءك أحد ؟ قال : نعم ، قطار فيه نحو من عشرين ، يشبهون أهل المدينة . قال : فما لبثت أن ارتفع القطار ، فركبت حماري وتوجهت نحو القطار ، فإذا هو يهتف بي : يا أبا خالد ، هل وفينا لك بما وعدناك ؟ قلت : قد والله ، كنت أيست من قدومك ، حتى أخبرني راكب ، فحمدت الله على ذلك ، وعلمت أنك هو . قال : ما فعلت القبتان اللتان كنا نزلنا فيهما ؟ قلت : جعلت فداك ، تذهب إليهما ، وانطلقت معه حتى نزل القبتين ، فأتيناه بغذاء فتغذى ، وقال : ما حال خفاف الغلمان ونعالهم ؟ قلت : أصلحتها ، فأتيته بها ، فسر بذلك ، فقال : يا أبا خالد ، زودنا من هذه الفسقارات [1] التي بالمدينة ، فإنا لا نقدر فيها على هذه الأشياء التي تجدونها عندكم . قال : فلم يبق شئ إلا زودته منه ، ففرح وقال : سلني حاجتك . وكان معه محمد أخوه ، قلت : جعلت فداك ، أخبرك بما كنت فيه ، وأدين الله به ، إلى أن وقعت عليك ، وقدمت علي ، فسألتني الحطب ، فأخبرتك بما أخبرتك ، فأخبرتني بالأعرابي ، ثم قلت لي
[1] في " ط " : الفسقادات ولم نجد لها معنى مناسبا في كتب اللغة التي بين أيدينا .