ونحن على أي حال لا نملك تقديرا صحيحا لعدد كل فئة من شيعته ، ومواليه ، عند خروجه من مكة . وقال أبو مخنف : ( . . لما خرج الحسين من مكة اعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد ، فقالوا له : انصرف أين تذهب ! فأبى عليهم ومضى ، وتدافع الفريقان ، فاضطربوا بالسياط ، ثم إن الحسين وأصحابه امتنعوا امتناعا قويا ، ومضى الحسين عليه السلام على وجهه ) [1] . وقال الدينوري : ( . . ولما خرج الحسين اعترضه صاحب شرطة أميرها عمرو بن سعيد بن العاص في جماعة من الجند ، فقال : إن الأمير يأمرك بالانصراف ، فانصرف ، وإلا منعتك ، فامتنع الحسين ، وتدافع الفريقان ، واضطربوا بالسياط . وبلغ ذلك عمرو بن سعيد ، فخاف أن يتفاقم الامر ، فأرسل إلى صاحب شرطته يأمره بالانصراف ) [2] . وإذن ، فقد بذلت محاولة رسمية ، تتسم بالعنف ، للحيلولة بين الحسين وبين ( الخروج ) من مكة ، ولكنها باءت بالفشل [3] .
[1] الطبري : 5 / 385 . [2] الاخبار الطوال : 244 . [3] كلمة ( خرج ) لا تعني مجرد المغادرة ، لأنها اكتسبت منذ انشقاق ( الخوارج ) على الإمام علي في صفين مدلولا رافضا تمرديا ذا نكهة خاصة ، لم يكن محبوبا في العراق بوجه خاص ، وقد حاول رجال النظام اسباغ هذا المفهوم على ثورة الحسين منذ بداية المواجهة ، فعبيد الله بن زياد - على سبيل المثال - في أول خطبة خطبها في الكوفة ، بعد وصوله إليها من البصرة ، يطلب إلى موظفي الإدارة الحكومية في الكوفة أن يكتبوا له من في عشائرهم ، من الحرورية وأهل الريب ( الطبري : 5 / 359 ) والحرورية - كما نعلم اسم ثان للخوارج أطلق عليهم منذ معركة حروراء . ويقول ابن زياد لهاني بن عروة بعد القبض عليه وضربه ، حين أراد أن يستولي على سلاح أحد الشرطة ليدافع عن نفسه : ( أحروري سائر اليوم ، أحللت بنفسك ، قد حل لنا قتلك - الطبري : 5 / 367 ) . وقد عرض العلامة الدكتور أسعد علي معنى للخروج في محاضرة ألقاها في قاعة الجمعية الخيرية الثقافية في الشياح بمناسبة عاشوراء وذلك مساء يوم الاثنين - 20 / 1 / 1975 ، وذلك عند الحديث عن كتاب الإمام الحسين إلى أخيه محمد بن الحنفية ، وفيه ( إني لم أخرج أشرا ، ولا بطرا . . وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي . . ) قال الدكتور أسعد علي في محاضرته : ( فالخروج يعني تجاوز القول إلى الفعل ، عبر عن هذا التجاوز التنفيذي بفعل وصل فيه فاعله ، وبصيغة التقرير الذي يؤكد ما حصل فعلا : ( خرجت ) ) .