على هؤلاء . أو كان على الأقل يدفعهم إلى الحذر في نقل صورة الاحداث كما يعكسها نساء الثوار وأبناؤهم وأصحابهم . كما أن مؤلفي كتب التاريخ العام كانوا ، غالبا ، على اتصال بالسلطان ، أو أنهم يؤيدون وضعا سياسيا يتعارض مع مضمون الثورة ، وربما ينسجم بشكل أو بآخر مع وضع جلاديها ، فلم يكونوا ، بطبيعة الحال قادرين ، أولم يكونوا يريدون تسجيل الاحداث من وجهة نظر مصادر الثائرين أنفسهم - هذه المصادر قد اتصل بها رواة من الشيعة ، رجال ونساء ، كان تشيعهم حافزا لهم على تقصي كل تفصيل دقيق وكل حادث كبير يتصل بالثائرين وإنجازهم في كربلاء . على أننا نبادر ، مع ذلك ، فنقول إنه حتى هؤلاء لم ينقلوا كل ما حدث ، فلقد ضاع الكثير ، وطمس الكثير . من نماذج ذلك رواية عمار الدهني [1] عن الإمام الباقر أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، وقد أوردها الطبري . فهي رواية نعتقد أن عمارا أو من بعده من الرواة قد تلاعبوا فيها ، فأضافوا إليها بعض الأفكار التي ترضي السلطة ( مثلا : أن الحسين طلب أثناء مفاوضته مع عمر بن سعد أن يرسله إلى يزيد بن معاوية يضع يده في يده ويرى فيه رأيه ) وحذفوا منها ، واختصروا بعض المعالم الرئيسة فيها ، كما لا يبعد أن يكون الطبري نفسه قد تسامح في إثبات بعض أجزائها [2] .
[1] عمار بن خباب . أبو معاوية ، الدهني البجلي ، الكوفي . عده الشيخ في الرجال من أصحاب الإمام الصادق وذكره في الفهرست ( المطبعة الحيدرية - النجف / الطبعة الثانية ) ص 144 ، وقال : ( له كتاب ذكره ابن النديم ) وصفه ابن حجر في التقريب بأنه صدوق يتشيع ، توفي سنة : 133 ه . [2] تتسم الرواية بالتدفق والحركة وقصر الجمل ، تختزل كثيرا من المواقف الهامة . وقد أثبتها الطبري في تاريخه في ثلاث قطع ( 5 / ) ومن الغريب أن ابن نما الحلي اعتمد في مقتله ( مثير الأحزان ) على هذه الرواية وأثبت منها الفقرة التي فيها أن الحسين طلب أن يمضي إلى يزيد يرى فيه رأيه ( مثير الأحزان ، ص 36 ) مع أن طبيعة الأشياء تكفي لتكذيب صدور هذا العرض من الحسين ، هذا بالإضافة إلى نص نقله المؤرخون ، ومنهم الطبري ، عن عقبة بن سمعان - وهو شاهد عيان في موقع يتيح له الاطلاع التام على حقيقة الاحداث ، فقد كان مولى للرباب زوجة الحسين - يكذب فيه هذه الإشاعة التي نرجح أنها من دس الأمويين والعباسيين ليشوهوا صورة الحسين الناصعة في الذهنية الاسلامية ( الطبري / 5 ) .