لقد خضع قطع الرؤوس لعملية انتقاء ، فقطعت رؤوس الشخصيات البارزة التي تحظى بولاء شعبي في نطاق قبائلها أو مدنها ، والتي يحطم قتلها قاعدتها الشعبية ويشتت جمهورها ، ويفقده فاعليته . إن هاني بن عروة ومسلم بن عقيل هما أقوى شخصيتين في التحرك الذي حدث في الكوفة ، فلذا قطع ابن زياد رأسيهما وأرسلهما إلى يزيد ابن معاوية برهانا ماديا على قمع الثورة ، أما الباقون ، وهم رجال عاديون ، فإن رؤوسهم لا تعني شيئا ، لان قتلهم مع وجود القادة ، لا يؤثر على الثورة ، ولذا فلم يكن ابن زياد بحاجة إلى قطع أكثر من رأسين . وكذلك الحال في رؤوس شهداء كربلاء ، فإن الموالي والرجال العاديين لم تكن رؤوسهم تعني شيئا بالنسبة إلى المناقمين على الحكم الأموي . إن الذي يشل القدرة الثورية ويسبب الهزيمة النفسية لدى الجماهير هو أن ترى زعماءها وقادتها قد قتلوا ، ورفع الدليل المادي على قتلهم ، وهو رؤوسهم ، على أطراف الرماح . من هنا نفهم لماذا طيف برأس الحسين في أزقة الكوفة : ( . . . ثم أن عبيد الله بن زياد نصب رأس الحسين بالكوفة ، فجعل يدار به في الكوفة ) [1] . ونحن نرجح - وإن لم نملك نصا - أن القبائل التي توزعت الرؤوس لم تتوزعها بصورة عشوائية ، وإنما أخذت كل قبيلة رؤوس ، الرجال البارزين من أبنائها ، وذلك لتعزيز مركزها السياسي عند السلطة ، وليزداد مركز زعيمها الموالي للسلطة قوة ومناعة . < / لغة النص = عربي >