عليه ، موفرين قوتهم ليستخدموها لحسابهم الخاص . وقد أفلح العباسيون أخيرا في الاستيلاء على السلطة مستغلين عاملين : الأول : أنهم كما ذكرنا استفادوا نفوذا شعبيا من كل الثورات التي قام بها الطالبيون وغيرهم ، وحين تحركوا للدعوة إلى أنفسهم لم يفصح دعاتهم عن هوية المدعو إليه ، وإنما كانت الدعوة إلى الرضا من آل محمد ، وكان الناس يفهمون من هذا التعبير العام أن المدعو إليه رجل علوي لما يتمتع به العلويون من حضور قوي في الذهنية العامة . وكان الدعاة والخواص وحدهم يعرفون الهوية العباسية للمدعو إليه ، وحين جاء الوقت المناسب أعلنوا ما يقال من عهد أبي هاشم بن محمد بن علي بن أبي طالب إلى علي بن عبد الله بن عباس ، وتحويله حقه في السلطة إلى علي هذا [1] .
[1] الرواية الشائعة تاريخيا هي كما يلي : إن الفرقة الكيسانية كانت تعتقد بإمامة محمد بن الإمام علي بن أبي طالب ( المعروف بابن الحنفية ) وأن ولاء الكيسانية انتقل ، بعد وفاة محمد بن الحنفية ، إلى ابنه أبي هاشم عبد الله بن محمد ، وأن أبا هاشم كان فصيحا ، يتمتع بقدرة كبيرة على الاقناع ، فاستدعاه سليمان بن عبد الملك إلى دمشق ( أو أن أبا هاشم وفد عليه ) فأكرمه وأحسن إليه ، ولكنه عزم على قتله لما أن خافه ، فدس إليه من سمه وهو في طريقه إلى إقليم الشراة سنة 18 ه . ولما أحس أبو هاشم بالموت عرج إلى الحميمة ( وهي قرية على مقرية على مقربة من العقبة ) حيث كان يقيم علي بن عبد الله بن عباس وابنه محمد ، فأوصى إلى علي هدا وإلى أولاده بحقه في الإمامة ، وكشف لهم اسم داعي الدعاة ( رئيس الدعاة ) في الكوفة ، ومن يليه من الدعاة في سائر الأقطار ، وسلمهم كتبا يقدمونها إلى هؤلاء الدعاة . وقد تم هذا في سنة 99 ه . وبذلك انتقل الحق في الخلافة من العلويين إلى العباسين ، وانتقل ولاء الكيسانية إلى هؤلاء أيضا وقد اضطلح بأعباء الدعوة بعد وفاة علي بن عبد الله ابنه محمد بن علي العباسي الذي توفي سنة 125 - وفى عهده دخل أبو مسلم الخراساني في رجال الدعوة . وقد خلف محمد بن علي بن عبد الله العباسي ابنه إبراهيم المعروف بالامام وهو الذي جعل أبا مسلم قائدا للدعوة في خراسان . وقد قبض مروان بن محمد ( الحمار ) على إبراهيم في الحميمة وسجنه في حران وتوفي سجينا . وكان قد عهد إلى أخيه - حين علم بمصيره - أبي العباس السفاح بالإمامة وأمره بالرحيل مع أهله إلى الكوفة فذهبوا إليها حيث تلقاهم رئيس الدعاة أبو سلمة الخلال ، وأنزلهم في منزل سري ، إلى أن أعلنت الدولة العباسية في 12 ربيع الأول سنة 132 ه ببيعة أبي العباس السفاح . هذه الرواية موضع شك عندنا ، فهي تثير أسئله لا يمكن الإجابة عليها ، ابتداء بطبيعة العلاقة بين محمد بن الحنفية وابنه أبي هاشم من جهة وبين الفرقة الكيسانية من جهة أخرى ، والغريب أن هذه الفرقة تفقد دورها الكبير في سير الاحداث بمجرد انجاز ما يدعى من تنازل أبي هاشم . ولماذا لم يعهد أبو هاشم بأمره إلى أحد من أبناء علي ، وما هي الاثباتات التي تجعل دعوى العباسيين لهذا التنازل موضع ثقة ؟ .