دار الإمام الحسن العسكري وفتشت بحثا عن الإمام الثاني عشر ، مما دعاه إلى الاختفاء والغيبة ، وكان لا بد للشيعة من الاتصال به فنصب الوكلاء الذي ذكرنا أسماءهم آنفا ليتصل الشيعة به عن طريقهم ، وفي هذه الظروف تولد مصطلح ( الناحية ) للإشارة إليه في المكاتبات والحديث . وهذا لا ينافي أن يكون اختيار هذه الوسيلة للإشارة إلى الامام خضوعا لمقتضيات الامن ، قد نشأ من شيوع هذه الظاهرة في الثقافة العامة للمجتمع في ذلك الحين [1] . ويبدو أن هذا المصطلح الذي يختلف في أسباب نشوئه عن أمثاله في الثقافة العامة - يبدو أنه مصطلح شيعي خاص ، فإن ألقاب الخلفاء والسلاطين ، والقواد والعلماء والكتاب التي شاعت في النصف الثاني من الدولة العباسية لم يرد فيها ذكر لمصطلح ( الناحية ) وقد عقد القلقشندي في كتابه صبح الأعشى فصولا ضافية بحث فيها موضوع الألقاب والكنى من جوانبه التطبيقية ، وذكر ، فيما يبدو كلما كان سائدا في عصره . في شأن الألقاب وصيغها ، ولم يذكر من بين ما ذكر مصطلح ( الناحية ) [2] .
[1] وقد كان ثمة مصطلح شيعي آخر للإشارة إلى الإمام الثاني عشر في المسائل المالية ، هو مصطلح ( الغريم ) وقد جاء ذكر ذلك في كتاب الارشاد المفيد : ( . . عن محمد بن صالح قال : لما مات أبي وصار الامر إلي كان لأبي على الناس سفاتج من مال الغريم - يعني صاحب الامر عليه السلام - قال الشيخ المفيد رحمه الله : وهذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديما بينها ، ويكون خطابها عليه السلام للتقية ( كذا ) ) الارشاد ص 354 . [2] أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي : صبح الأعشى في صناعة الانشاد نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية - في سلسلة : تراثنا - منشورات المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر - ج 5 ص 438 - 506 وجزء 6 ص . والقلقشندي يؤرخ لشيوع ظاهرة الألقاب في مراتب الدولة والمجتمع ( ثم انتهاؤها إلى غاية التعظيم ومجاوزتها الحد في التكثير ) يؤرخ لهذه الظاهرة بالوقت الذي ( استولى فيه بنو بويه من الديلم على الأمور ، وغلبوا على الخلفاء ، واستبدوا عليهم ، احتجب الخلفاء ، ولم يبق إليهم فيما يكتب عنهم غالبا سوى الولايات ، وفوض الامر في غالب المكاتبات إلى وزرائهم ، وصارت الحال إذا اقتضت ذكر الخليفة كني عنه ب ( المواقف المقدسة ) و ( المقامات الشريفة ) و ( السيرة النبوية ) و ( الدار العزيزة ) و ( المحل الممجد ) . . . ولما انتهى الحال بالخلفاء إلى التعظيم بهذه الألقاب والنعوت المستعارة تداعى الامر إلى تعظيم الملوك والوزراء بالتلقيب ب ( المجلس العالي ) و ( الحضرة السامية ) . . . ثم تزايد الحال في ذلك إلى أن كنوا ب ( المقام ) و ( المقر ) و ( الجناب ) و ( المجلس ) ونحو ذلك ) ، صبح الأعشى : 5 / 491 - 492 . وهذا الموضوع بحاجة إلى دراسة واسعة تكشف عن تاريخ نشوئه ، وتطوراته ، واستنباط دلالاته الاجتماعية والسياسية في الحقبة التي نشأ ونما فيها .