وإنما ذكرنا جملا من التفسير ، وكرهنا التطويل ، وأتينا بجوامع من التلخيص ، لعلمنا بمعرفة من لم يجر إلى العبادة أنه مباين للعالم في أسبابه ، ونأي عن دينهم في اكتسابه للكمال الذي قصروا عنه من حال طفولته إلى حين كهولته ، وكان بحيث يتعجب المتأمل ، ويبهر المتفرس فيه ، ويقهر بالبيان مناظريه ، ويفسر بالبرهان مناكريه . ومن الدليل أيضا أنه رأى أباه وعمومته وعشيرته ، وقبائل العرب يشهدون على رسول الله أنه كذاب ، وأنه ساحر ، ثم لا يصرفه ذلك من التمسك به والثبات على ما قيل فيه ، والمسارعة إلى أموره [1] صبيا صغيرا ويافعا كبيرا يصلي معه والناس بين هازل وساخر لا يرى له مع المكذبين مصدقا ، وهم ملء الأرض ، ولا مع المدافعين محققا ، قد قنع بالواحد ، واغتبط بالدين لا بالدنيا ، ولا بما يفيده ، لا يستزيد منها و لا توحشه القلة ، ولا تهزه وفور الكثرة ، إنما هو التفويض ، فتبارك الله ما أعمى هذه القلوب ، الا يفكرون ؟ ، أن الله عز وجل لم يقرن هذا الرجل في حال شبابه برسول الله ، ولم يتصل [2] به الا وقد اختاره من بين العالم ، وركب فيه ما هو ظاهر لأولي الألباب من حسن الفهم وإمضاء العزم ، ووعي الرسالة عن الرسول ، والتنزه عن رجاسة الجاهلية ، إذ لم يخش إلا الله في أحواله كلها ،
[1] - وفي " ش " : في أموره . [2] - وفي " ش " : ولم يصل به .