وفي سنة 217 ه يأمر المأمون قواده ووزراءه أن يمتحنوا علماء الأمصار في مسألة خلق القرآن ، الذي حمل الفقهاء والمحدثين على الايمان بخلقه ، فقد أمر إسحاق ابن إبراهيم المصعبي نائبه في بغداد أن يجبر العلماء على القول بخلقه ، وقد امتنع أحمد ابن حنبل ومحمد بن نوح ، حتى ارسلا مقيدين - لعدم قولهما بخلق القرآن - إلى المأمون وهو في الشام عند استرجاع طرطوس . وفي مصر يأمر نائبه نصر بن عبد الملك الصفدي الملقب كيدر ، بأن يمتحن العلماء والفقهاء في تلك المسألة ، بل يجبرهم على القول بها . وفي سنة 219 ه يقتفي المعتصم خطى أخيه المأمون في مسألة خلق القرآن ، فيمتحن بها أحمد بن حنبل ، ولما لم يجد منه بدا ، يأمر به فيجلد ، ويضرب ضربا مبرحا حتى يخبط في عقله ، ويتهرى لحم بدنه ، ثم يأمر به فيقيد ويلقى في الحبس هكذا ، ولا يخلو من أسباب أخرى في أمر حبسه . وممن أصابه الضيم في محنة خلق القرآن : الحارث بن مسكين بن محمد الأموي ، ومحمد بن عبيد الله بن عمرو الأموي الذي ينتهي نسبه إلى عتبة بن أبي سفيان ، وقد حمل من مصر إلى العراق مع الفقيه البويطي مقيدين ، وذلك في حكومة المعتصم العباسي ، ولما سئلا عن القرآن أهو مخلوق ؟ فلم يجيبا ، فحبسا بسامراء ، وماتا فيها مسجونين . على أن المعتصم قتل خلقا كثيرا في هذه المسألة ، ولم يتورع . وفي سنة 231 ه يعيد الواثق الكرة - كأسلافه - على العلماء ، ويأمر بامتحانهم ، وهكذا الاسرى الذين خاضوا الحرب مع الروم في وقعة طرسوس . ثم إنه سجن نعيم بن حماد إلى أن مات في السجن . ولم ينج من هذه الفتنة العلماء وغيرهم طيلة فترة حكم المأمون والمعتصم والواثق إلا القليل ، إلى أن جاء المتوكل فرفع القول بهذه المسألة .