لما جاء رسول ملك الروم حاملا معه رسالة القيصر إلى المقتدر أمر الخليفة أن يطاف بهذا الرسول بدار الخلافة ، فكان المستقبلين من الخدم كما يصف الخطيب البغدادي : سبعة آلاف خادم ، منهم أربعة آلاف بيض ، وثلاثة آلاف سود ، وعدد الحجاب سبعمائة حاجب ، وعدد الغلمان السودان غير الخدم أربعة آلاف غلام [1] . ثم انغمار المقتدر بالشراب والطرب وعكوفه على المجون والارتماء في أحضان الجواري والمغنيات مما دفع ثمنه ، إذ تسيبت الأوضاع في البلاد ، وتحكم الأتراك في أمور الدولة ، وامتدت يد النساء لتعزل وتنصب من تشاء من الوزراء والعمال ، وانتشر الفقر والجوع بين الناس ، واضطرب المسلمون في أيامه ، وفزعوا من الثورات والفتن ، وما قام به صاحب الزنج واحتلاله للحرم المكي ، وسلب أستار الكعبة وثيابه ، وحمل الحجر الأسود إلى البحرين ، وانتشار الأمراض والأوبئة ، والضرائب الكثيرة التي كان ينوء بها المجتمع الاسلامي . . كل ذلك والخلفية المقتدر كثيرا ما جمعه مجلس الشراب والطرب مع والدته السيدة ولمة من حفدتها وجواريها [2] . ولا غرابة أن يجد الباحث أن بغداد زمن المقتدر أخذت تعج بهذا اللون من الترف ، حتى قصدها المغنيون وأهل اللهو والطرب ، وقد بالغ المقتدر في إكرام هؤلاء ، كابن عائشة ، وكنيز المغني . لقد ساءت الأوضاع كثيرا أيام المقتدر ، للأخطاء الجسيمة التي كان يرتكبها كل يوم ، مما سلبته تلك التصرفات هيبة الخلافة منه ، وتحكم في البلاد أناس غير نزيهين لهم مطامعهم الخاصة ، وذوو الأيدي الخؤنة ، فهذه السيدة شغب والدة الخليفة
[1] تاريخ بغداد للخطيب البغدادي : 1 / 101 ، بيروت . [2] الفرج بعد الشدة - للتنوخي : 1 / 380 .