نام کتاب : الفرج بعد الشدة نویسنده : القاضي التنوخي جلد : 1 صفحه : 12
وأفقده لذيذ ذلك الخفض ، فانتقضت عادته ، وغلظت محنته ، وقتل أحد ابنيه الآخر ، وكانا أول أولاده . فلما طال حزنه وبكاؤه ، واتصل استغفاره ودعاؤه ، رحم الله تذلله وخشوعه ، واستكانته ودموعه ، فتاب عليه وهداه وكشف ما به ونجاه فكان آدم صلى الله عليه وسلم أول من دعا فأجيب ، وامتحن فأثيب ، وخرج من ضيق وكرب ، إلى سعة ورحب ، وسكن همومه ، ونسي غمومه ، وأيقن بتجديد الله تعالى له النعم ، وإزالته عنه النقم ، وانه تعالى إذا استرحم رحم ، فأبدله الله تعالى هذا بتلك الشدائد ، وعوضه بدل الابن المفقود والابن العاق الموجود نبي الله شيثا عليه السلام وهو أول أولاده البررة بالوالدين ، ووالد النبيين والصالحين ، وأبو الملوك الجبارين وجعل ذريته هم الباقين وخصهم من النعم بما لا يحيط به وصف الواصفين وقد جاء في القرآن من الشرح لهذه الجملة والبيان ، مالا يحتمل ذكره هذا المكان ، وقد روى فيه من الاخبار ، مالا وجه للإطالة به والاكثار . ثم نوح عليه السلام فإنه امتحن بخلاف قومه عليه ، وعصيان ابنه له ، والطوفان العام ، وركوب السفينة وهي تجرى بهم في موج كالجبال ، واعتصام ابنه بالجبل وتأخره عن الركوب معه . فقاسى نوح بذلك الشدائد ، فأعقبه الله تعالى الخلاص من تلك الأهوال بالتمكين له في الأرض ، وبغيض الطوفان وجعله شبه آدم عليه الصلاة والسلام ، لأنه أنشأ منه ثانيا جميع البشر كما أنشأهم أولا من آدم فلا ولد لآدم إلا من نوح عليه الصلاة والسلام ، قال الله تعالى : ( ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ، ونجيناه وأهله من الكرب العظيم * وجعلنا ذريته هم الباقين ، وتركنا عليه في الآخرين [1] . ( ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له ونجيناه وأهله من الكرب العظيم [2] ثم إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وما وقع له من كسر الأصنام ، وما لحقه من قومه من محاولة احراقه ، فجعل الله النار عليه بردا وسلاما .