ليس له أن يحكم لنفسه . أو يكون مفضولا ، فكيف يقبل حكمه بالإمامة على من هو أفضل منه وأيضا فإذا جاز أن يكون الإمام مفضولا عن غيره في العلم وغيره بدرجة جاز كونه مفضولا بدرجتين لعدم الأولوية ، وبثلاث ، وهكذا إلى أن ينتهي إلى جواز أن يستفتي عن رعيته في وقايع دينه وعبادته وقد لا يجد في ذلك الوقت مسددا فيستمر تعطيل الحكومات والعبادات دهرا مديدا . وقد أضاف الله الاختيار إلى نفسه وجعله مقصورا على الأفضلين في قوله تعالى : ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين [1] ) وليس اختيار الرسول والإمام خارجا من هذا المقام ، لأنه بأمر الملك العلام بسرائر الأنام . وأيضا فمختار الإمام [2] لا يملك أمر كل الأمة ، فكيف يملكه لغيره . و أيضا جاز لكل فرقة من المسلمين أن يختاروا منهم إماما لكونه يشرفهم ، وإن لم يجز اختلافهم ، فمن يتفقون عليه يلزم منه بطلان اعتقاد من خالفه ، وفي ذلك كله [ يلزم ] تكثير الأئمة الموجب للفساد ، الموجب لإبطال الاختيار ، وكيف جاز للحكيم مع شدة رحمته إسناد أمر الإمامة إلى خليقته مع علمه بعدم اتفاقهم وتنازعهم . وقد أمر الله تعالى بالقتال ، حتى لا تكون فتنة ، وفي تفويض الأمر إليهم إثارة الفتنة . إن قيل إنما العبرة بمدينة الرسول صلى الله عليه وآله فمتى عقدوها لشخص وجب اتباعه على سائر الأنام . قلنا : أهل المدينة ليسوا كل الأمة ، ولا كل المؤمنين ، ولا كل العلماء . وقول النبي : ( إن المدينة لتنفي خبثها كما ننفي الكير خبث الحديد [3] ) لا ينفعها ذلك لإحداث عثمان ما أحدث فيها وقتله بإجماع أكثرها واشتهار الغلول وأنواع الفسوق منها ، وإن أريد جميع أهلها بحيث يدخل المعصوم فيها ، كان الاعتماد على قوله لا عليهم ، وإذا لم ينحصر محل الاختيار في مصر من الأمصار مع تباعد أهل
[1] الدخان : 32 . [2] يعني الذي يختار الإمام . [3] مشكاة المصابيح ص 239 والحديث متفق عليه .