إن قيل : القيام بأمر أمة موسى كان واجبا على هارون ، من حيث الشركة في النبوة ، وقوله ( اخلفني ) [1] توكيد لذلك ، لا أنه خليفة حقيقة . قلنا : لا خلاف بين الأمة أنه كان خليفة ، وظاهر [ لفظ ] ( اخلفني ) ينافي أنه ليس خليفة حقيقة ، إذ لا يقال للشخص ( اخلفني في مصالحك ) . إن قيل : فلعل لفظ ( اخلفني ) حكاية من الله عن موسى ، لا نفس كلام موسى ، فلا يدل ظاهره على الخلافة . قلنا : لو كان كذلك لم يفهم بحكايته عن موسى شيئا ، إذ يجوز طلبه وزارته وشركته ، حكاية عن الفضلاء تقتضي ذلك . على أنا نقول وإن كان شريك موسى في النبوة ، جاز اختصاص موسى بإقامة الحدود وغيرها ، فليكن استخلافه لها . إن قيل : فقوله ( اخلفني ) أمر لا يقتضي التكرار قلنا : المراد بيان أهلية هارون للخلافة واستحقاقه لها ، وهو حاصل بذلك . إن قيل : قوله ( لا نبي بعدي ) معناه لا نبي بعد نبوتي ، وهارون لم يكن له منزلة النبوة بعد موت موسى ، فكأن النبي استثنى ما ثبت من منزلة هارون و هو النبوة حال حياة موسى ، فيكون لعلي الخلافة حال حياة النبي خاصة . قلنا : بل لفظة ( بعدي ) حقيقة فيما بعد الوفاة ، فإن من قال لغيره ( أنت وصيي تتصدق على الفقراء بعدي ) فهم منه بعد الوفاة ، ولم يقصد النبي صلى الله عليه وآله منزلة هارون من موسى في زمانها بل التشبيه بين المنزلتين لا بين أوقاتهما ، فكأنه قال أنت مني بمنزلة هارون من موسى بعدي إلا أنه لا نبي بعدي واستغنى بالبعدية الثانية عن الأولى ، وهذا من أفصح الكلام ولو صرح بقوله ( بعد وفاتي ) أو ( في حياتي وبعد وفاتي ) لم يكن خارجا عن الاستقامة . إن قيل : الخبر دال على نفي خلافة علي لأنه شبهه بمن لا خلافة له . قلنا : لا يصح التشبيه بالمسلوب ، إذ لا يحسن أن يقال : فلان مني بمنزلة فلان في كونه