الباب الأول في إثبات الواجب وصفاته إنما ابتدأنا بهذا الباب - وإن كان الغرض الأهم من هذا الكتاب هو الإمامة - لأنه المطلب الأعلى والقاعدة الأولى ، فكان صرف الهمة إليه أولا أولى ، فيستدل على وجوده تعالى بحدوث غيره المستفاد من تغييره ، وبأن الممكن لا يستقل بإيجاد شئ وحده وإنما يفعل أعراضا فيما أحدثه غيره ، أما الجوهر فلا يقع بقدرته لانحصارها في تولده ومباشرته ، فالتولد إما بالاعتماد ، ويعلم ضرورة عدم تجدد الجوهرية والمباشرة يلزمها التداخل إن كانت في محل قدرته ، وإن كانت في ما يجاوره فالبعيد يؤثره غيره ، فلا بد للجواهر والأعراض المخصوصة من موجد غيره ، فلزم القول بوجوده ووجوبه المستلزم لاستحالة عدمه . ولا بد من قدرته للزوم قدم العالم أو حدوثه تعالى عند فرض إيجابه وعمومها لاستواء ذاته لتجرده واشتراك ما عداه في علة احتياجه . ولا بد من علمه لامتناع نقصه وإحكام خلقه ، ومن إرادته وكراهته لاختلاف أفعاله ولأمره ونهيه ، ومن سمعه وبصره لعموم علمه المستفاد من الترجيح بلا مرجح عند عدمه والقرآن المجيد دل على كلامه وإدراكه . ولا بد من مخالفته لغيره لذاته ، لما عرفت من وجوبه وحدوث غيره . فليس بجسم لوحدته وتركيبه ، ولا عرض لغنائه وحلوله ، ولا جوهر ولا متحيز ولا في جهة لافتقارها وغنائه ، ولا متحد لامتناع انفعاله ، ولا يرى لامتناع الإحاطة به ولزوم الجهة الممتنعة عليه ، وفي حديثين من الجمع بين الصحيحين أنهم يرونه يوم القيامة بالعين ، فنعوذ بالله من هذا المين ! ولا بد من وحدته لفساد العالم عند فرض كثرته ، ولنصه في كتابه على ذلك .