ذو القدر ، لولا التأييد من خالق البشر . قال الجاحظ : إنما لم يهرب خوفا من العار ، قلنا : يرد هذا قوله تعالى : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله [1] ) وصبره عليه السلام أعظم من صبر إسماعيل لوجود الشفقة من أبيه ، وتجويز العفو من باريه ، وتجويز كون ذلك امتحانا ، إذ لم يعهد ذلك من أحد ، وتجويز نسخة قبل فعله ، وتجويز كون باطن الكلام بخلاف ظاهره ، وتجويز كون تفسير المنام بضد حقيقته ، وتجويز الاتيان بفدائه ، ولا شئ من هذه التجويزات حاصل لعلي حال البيان . إن قيل : بل محنة إسماعيل أعظم لعلم علي أن قريشا إنما طلبت النبي دونه بخلاف إسماعيل ، إذ كان يعلم أن ذلك بالوحي الإلهي . قلنا : فتفويته غرضهم مما يوجب شدة الحرج والغضب عليه ، وذلك معروف بالعادات أن من فوت عليهم حيلتهم ، حتى فات غريمهم ، لا يلحقهم شفقة عليه ، ولا ميل ما إليه ، فظهر أن ما سلف من النوم ، أقوى في الشجاعة من براز القوم ، إذ مبارزة الأبطال الكبار ، فيها رجاء السلامة بالمكر والفرار ، ولهذا لما غلب ظن الملكين بالتلف ، لم يؤثر أحدهما الآخر بالخلف . قال الجاحظ : في الروايتين النبي بشره أنهم لا يصلون إليه ، فلا فضيلة له فيه . قلنا : تلك الزيادة لم تنعرف ، إلا من عدو منحرف ، نعم في رواية ابن المغازلي : لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله ، وهذا لا جزم فيه لتعلقه بالمشيئة ، وابن حنبل أعرف من ابن المغازلي ، وقد نقل في مسنده أنهم رموه بالحجارة ، ولئن سلمت الزيادة ففيها فضيلة الوثوق بقول النبي صلى الله عليه وآله . وقد رووا قوله عليه السلام أن الشيخين يليان الخلافة ، ومنهم من يقول إنه نص عليه بالخلافة ، فإن صدق بقول النبي فما قعوده عن لقاء الأبطال ، وإن شك في النص فأين مقام علي من هذا الحال .