ثم لنفترض ثانيا أنه ما كان ليقتل لو ناهض القوم ولكن مع ذلك فالصبر على ترك حقه كان أحجى وأجدر لأن منازعتهم كانت - لا شك - تجر إلى الفتنة وتبعث على الفرقة ، والإسلام بعد لم يتغلغل في نفوس العرب ولم يضرب جرانه في الجزيرة ، وقد اشرأبت الأعناق للانتقاض عليه . فهو إذ وطن نفسه على ما هو أمر من طعم العلقم كما يقول بالتنازل عن حقه ، كان يخاف ويخشى ، ولكن لا على الحياة - وهو هو ابن أبي طالب في شجاعته واستهانته بالحياة ، الذي كان يقول : والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها - بل كان خوفه على الدين من التصدع وعلى جامعته من التفرق ، فسالم إبقاء لكلمة الإسلام واتقاء للخلاف والشقاق في صفوف المسلمين فيرتدوا جميعا على أعقابهم ، والمفروض ليس عنده القوة الكافية لا ظهار كلمة الحق وإقامة السلطان . وهو يشير إلى هذا الخوف فيما يقول في هذا الصدد من خطبته في النهج : " ما شككت في الحق مذ رأيته . لم يوجس موسى عليه السلام خيفة على نفسه . أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال . اليوم توافقنا على سبيل الحق والباطل من وثق بماء لم يظمأ " . فهو في هذه الكلمة يتأسى بموسى عليه السلام إذ رموه بالخيفة ولكن فرقا بين الخوف على الحياة والخوف من غلبة الباطل : وهذا أفضل تفسير لقوله تعالى : " فأوجس في نفسه خيفة " وفيه تبرئة لنبي الله من الوهن والشك وما أدق