فأي الأمرين هو أولى بالرعاية لحفظ بيضة الإسلام ؟ وأنى لنا أن نتحكم في ترجيح أحد الأمرين ، ونعرف الإمام واجبه في هذا الأمر ؟ ! وما بالنا نذهب بعيدا ، فإنا نعرف ما صنع الإمام ، إنه استسلم للقوم وبايع كما بايع الناس بالأخير ، وقد قرر الرأي الأخير بعد أن طفق يرتئي بين أن يصول بيد جذاء أو يصبر على طخية عمياء عندما قال : " فرأيت الصبر على هاتا أحجى " فسدل دونها حينئذ ثوبا وطوى عنها كشحا . على أنه لا يضيع وجه الرأي على الناظر في هذا الأمر ليعرف كيف كان الصبر أحجى ، لأنه لو نهض في وجه القوم مع قلة الناصر وحسد العرب له وترات قريش عنده ، لكان المغلوب على أمره ، وعندئذ يصبح نسيا منسيا ، ولربما لا يحفظه التأريخ إلا باغيا بغى على الدين كأولئك أصحاب الردة ، فقتل " بسيف الإسلام " وأضيع مع ذلك النص على خلافته . وقد رأيناه مع بقائه حيا وانتهاء الأمر إليه بعد ذلك كيف غمط حقه وأعلن سبه وبقي الشك فيه إلى يوم الناس هذا ! وقد أشار إلى ذلك في كلامه لعمه العباس وأبي سفيان لما طلبا بيعته ، إذ قال لهما : " أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح . . . ثم قال : ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه "