قال عمر : هات الوديعة فأحضر الشاب حقا من عاج ، عليه قفل من حديد ، مختوم بخاتم الشاب فتسلمه منه ، وخرج الشاب مع الوفد ، وخرج عمر إلى مقدم الوفد . وقال : أوصيك بهذا الغلام ، وجعل عمر يودع الشاب . وقال للمقدم على الوفد : استوص بهذا المقدسي ، وعليك به خيرا . وكان في الوفد امرأة من الأنصار فما زالت تلاحظ المقدسي وتنزل به حيث نزل . فلما كان في بعض الأيام دنت منه فقالت : يا شاب ، إني لأرق لهذا الجسم الناعم المترف كيف يلبس الصوف ؟ قال لها : يا هذه جسم يأكله الدود ، ومصيره إلى التراب ، هذا له كثير . قالت له : إني أغار على هذا الوجه المضئ تشعثه الشمس . فقال لها : يا هذه اتقي الله فقد أشغلتيني عن عبادة الله . فقالت له : لي إليك حاجة ، فإن قضيتها فلا كلام ، وإن لم تقضها فلا أنا بتاركتك حتى تقضيها لي . فقال : وما حاجتك ؟ قالت : حاجتي أن تواقعني ، فزجرها وخوفها الله تعالى ، فلم يردعها بذلك . فقالت : والله لئن لم تفعل ما آمرك به ، لأرمينك في داهية من دواهي النساء ومكرهن ، فلا تنجو منها . فلم يلتفت إليها ، ولم يعبأ بكلامها . فلما كان في بعض الليالي ، وقد سهر من كثرة عبادة ربه ، ثم رقد في آخر الليل وغلب عليه النوم ، فأتته وتحت رأسه مزادة فيها زاده ، فانتزعتها من تحت رأسه ، وطرحت فيها كيسا فيه خمسمائة دينار ، ثم أعادت المزادة تحت رأسه .