ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ويَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ ، فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا الدُّنْيَا إِلَى الآْخِرَةِ وهُمْ فِيهَا ، فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ ، فَكَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ فِي طُولِ الإِقَامَةِ فِيهِ ، وحَقَّقَتِ الْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا ، فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِكَ لأَهْلِ الدُّنْيَا ، حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لَا يَرَى النَّاسُ ، ويَسْمَعُونَ مَا لَا يَسْمَعُونَ . فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ الْمَحْمُودَةِ ، ومَجَالِسِهِمُ الْمَشْهُودَةِ ، وقَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ أَعْمَالِهِمْ ، وفَرَغُوا لِمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى كُلِّ صَغِيرَةٍ وكَبِيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا ، أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فيهَا ، وحَمَّلُوا ثِقَلَ أَوْزَاِرِهمْ ظُهُورَهُمْ ، فَضَعُفُوا عَنِ الِاسْتِقْلَالِ بِهَا ، فَنَشَجُوا نَشِيجاً ، وتَجَاوَبُوا نَحِيباً ، يَعِجُّونَ إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمٍ واعْتِرَافٍ ، لَرَأَيْتَ أَعْلَامَ هُدًى ، ومَصَابِيحَ دُجًى ، قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ ، وتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ ، وفُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وأُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْكَرَامَاتِ ، فِي مَقْعَدٍ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ ، فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ ، وحَمِدَ مَقَامَهُمْ .يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ التَّجَاوُزِ . رَهَائِنُ فَاقَةٍ إِلَى فَضْلِهِ ، وأُسَارَى ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ ، جَرَحَ طُولُ الأَسَى قُلُوبَهُمْ ، وطُولُ الْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ .لِكُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ إِلَى اللَّهِ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعَةٌ ، يَسْأَلُونَ مَنْ لَا تَضِيقُ لَدَيْهِ الْمَنَادِحُ ، ولَا يَخِيبُ عَلَيْهِ الرَّاغِبُونَ .فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ ، فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ الأَنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ .