نَصِيحَتُهُمْ إِلَّا بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلَاةِ الأُمُورِ ، وقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ ، وإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ ، وسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ ، وقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ .ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ واسْتِنَامَتِكَ وحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ ، ولَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ والأَمَانَةِ شَيْءٌ .واعْلَمْ - مَعَ ذَلِكَ - أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً ، وشُحّاً قَبِيحاً ، واحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ ، وتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ ، وذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ ، وعَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ .وتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَهُ ، ولَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ ، وذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ ، والْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ وأَمَّا بَعْدُ ، فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ ، وقِلَّةُ عِلْمٍ بِالأُمُورِ والِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ ، ويَعْظُمُ الصَّغِيرُ ، ويَقْبُحُ الْحَسَنُ ، ويَحْسُنُ الْقَبِيحُ ، ويُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ .وإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الأُمُورِ ، ولَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ ، وإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ : إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ ،