النَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا ، ولَطَافَةِ هَيْئَتِهَا لَا تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ ، ولَا بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ ، كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا ، وصُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا ، تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا ، وتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا . تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا ، وفِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا ، مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا لَا يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ ، ولَا يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ ، ولَوْ فِي الصَّفَا الْيَابِسِ ، والْحَجَرِ الْجَامِسِ ولَوْ فَكَّرْتَ فِي مَجَارِي أَكْلِهَا ، فِي عُلْوِهَا وسُفْلِهَا ، ومَا فِي الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا ، ومَا فِي الرَّأْسِ مِنْ عَيْنِهَا وأُذُنِهَا ، لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً ، ولَقِيتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً فَتَعَالَى الَّذِي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا ، وبَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِي فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ ، ولَمْ يُعِنْهُ عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ . ولَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِهِ ، مَا دَلَّتْكَ الدَّلَالَةُ إِلَّا عَلَى أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ ، لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْءٍ ، وغَامِضِ اخْتِلَافِ كُلِّ حَيٍّ . ومَا الْجَلِيلُ واللَّطِيفُ ، والثَّقِيلُ والْخَفِيفُ ، والْقَوِيُّ والضَّعِيفُ ، فِي خَلْقِهِ إِلَّا سَوَاءٌ .