فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ - أَيْ بُنَيَّ - ولُزُومِ أَمْرِهِ ، وعِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ ، والِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ . وأَيُّ سَبَبٍ أَوْثَقُ مِنْ سَبَبٍ بَيْنَكَ وبَيْنَ اللَّهِ إِنْ أَنْتَ أَخَذْتَ بِهِ أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ ، وأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ ، وقَوِّهِ بِالْيَقِينِ ، ونَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ ، وذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ ، وقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ ، وبَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا ، وحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي والأَيَّامِ ، واعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ ، وذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ ، وسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وآثَارِهِمْ ، فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا وعَمَّا انْتَقَلُوا وأَيْنَ حَلُّوا ونَزَلُوا فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ ، وحَلُّوا دِيَارَ الْغُرْبَةِ ، وكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ .فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ ، ولَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ ودَعِ الْقَوْلَ فِيمَا لَا تَعْرِفُ ، والْخِطَابَ فِيمَا لَمْ تُكَلَّفْ . وأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلَالَتَهُ ، فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الأَهْوَالِ .وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ ، وأَنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِيَدِكَ ولِسَانِكَ ، وبَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ ، وجَاهِدْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ، ولَا تَأْخُذْكَ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ . وخُضِ الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ حَيْثُ كَانَ ، وتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ ، وعَوِّدْ نَفْسَكَ التَّصَبُّرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ ، ونِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُرُ فِي الْحَقِّ وأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَى إِلَهِكَ ، فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى