مِنْ لَحْمِهَا تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّيَرَانِ ، كَأَنَّهَا شَظَايَا الآذَانِ ، غَيْرَ ذَوَاتِ رِيشٍ ولَا قَصَبٍ ، إِلَّا أَنَّكَ تَرَى مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَيِّنَةً أَعْلَاماً . لَهَا جَنَاحَانِ لَمَّا يَرِقَّا فَيَنْشَقَّا ، ولَمْ يَغْلُظَا فَيَثْقُلَا . تَطِيرُ ووَلَدُهَا لَاصِقٌ بِهَا لَاجِئٌ إِلَيْهَا ، يَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ ، ويَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ ، لَا يُفَارِقُهَا حَتَّى تَشْتَدَّ أَرْكَانُهُ ، ويَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ ، ويَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَيْشِهِ ، ومَصَالِحَ نَفْسِهِ . فَسُبْحَانَ الْبَارِئِ لِكُلِّ شَيْءٍ ، عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ خَلَا مِنْ غَيْرِهِ !19 - الطيور « خطبة » 165 / 164 ابْتَدَعَهُمْ خَلْقاً عَجِيباً مِنْ حَيَوَانٍ ومَوَاتٍ ، وسَاكِنٍ وذِي حَرَكَاتٍ وأَقَامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَيِّنَاتِ عَلَى لَطِيفِ صَنْعَتِهِ ، وعَظِيمِ قُدْرَتِهِ ، مَا انْقَادَتْ لَهُ الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ ، ومَسَلِّمَةً لَهُ ، ونَعَقَتْ فِي أَسْمَاعِنَا دَلَائِلُهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ ، ومَا ذَرَأَ مِنْ مُخْتَلِفِ صُوَرِ الأَطْيَارِ الَّتِي أَسْكَنَهَا أَخَادِيدَ الأَرْضِ ، وخُرُوقَ فِجَاجِهَا ورَوَاسِيَ أَعْلَامِهَا ، مِنْ ذَاتِ أَجْنِحَةٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وهَيْئَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ ، مُصَرَّفَةٍ فِي زِمَامِ التَّسْخِيرِ ، ومُرَفْرِفَةٍ بِأَجْنِحَتِهَا فِي مَخَارِقِ الْجَوِّ الْمُنْفَسِحِ ، والْفَضَاءِ الْمُنْفَرِجِ ، كَوَّنَهَا بَعْدَ إِذْ لَمْ تَكُنْ فِي عَجَائِبِ صُوَرٍ ظَاهِرَةٍ ، ورَكَّبَهَا فِي حِقَاقِ مَفَاصِلَ مُحْتَجِبَةٍ ، ومَنَعَ بَعْضَهَا بِعَبَالَةِ خَلْقِهِ