نام کتاب : الحديث النبوي بين الرواية والدراية نویسنده : الشيخ السبحاني جلد : 1 صفحه : 92
فيهما ما لا يتوصّل إليه إلاّ بالاجتهاد ، ولا يوجد في ظواهر النصوص ، فادّعاؤهم أنّ إلحاق الفروع بالأُصول في الحكم لعلّة يستخرجها القياس ، هو الاجتهاد الذي عناه في الخبر ، ممّا لا دليل عليه ولا سبيل إلى تصحيحه . ( 1 ) على أنّ تجويز القياس في القضاء لا يكون دليلاً على تجويزه في الإفتاء ، لأنّ القضاء أمر لا يمكن تأخيره ، بخلاف الإفتاء ، فالاستدلال بجواز القياس في القضاء على جوازه في الإفتاء ، مبنيّ على صحّة القياس وهو دور واضح . ثمّ إنّ ثمة نقطة جديرة بالذكر ، وهي أنّ القضاء منصب خطير لا يشغله إلاّ العارف بالكتاب والسنّة والخبير في فصل الخصومات ، فالنبيّ « صلى الله عليه وآله وسلم » الذي نصبه للقضاء لا بدّ أن يعلِّمه الكتاب والسنّة أوّلاً ، ويكون واقفاً على مدى إحاطته بهما ثانياً ، ثم يبعثه إلى القضاء وفصل الخصومات ، ومع المعرفة التامّة لحال القاضي يكون السؤال بقوله : « فكيف تصنع إن عرض لك قضاء ؟ قال : أقضي بما في كتاب اللّه » أمراً لغواً ، وهذا يعرب عن أنّ الحديث لم ينقل على الوجه الصحيح ، وستوافيك الصور الأُخرى للرواية . قال الفخر الرازي : إنّ الحديث يقتضي أنّه سأله عمّا به يقضي بعد أن نصبه للقضاء ، وذلك لا يجوز لأنّ جواز نصبه للقضاء مشروط بصلاحيته للقضاء ، وهذه الصلاحية إنّما تثبت لو ثبت كونه عالماً بالشيء الذي يجب أن يقضي به ، والشيء الذي لا يجب أن يقضي به . ( 2 ) على أنّ الظاهر من سيرة « معاذ » أنّه لم يكن يجتهد برأيه في الأحكام وإنّما كان يتوقّف حتى يسأل النبيّ « صلى الله عليه وآله وسلم » .