< فهرس الموضوعات > المجلس الثالث < / فهرس الموضوعات > < فهرس الموضوعات > لون السماء وما فيه من صواب التدبير < / فهرس الموضوعات > والروية والتجارب ، يوجد مفروغا منه في الخلقة حكمة بالغة [1] ليعتبر بها المعتبرون ، ويفكر فيها الملحدون ، قاتلهم الله أنى يؤفكون [2] . ( طلوع الشمس وغروبها والمنافع في ذلك ) فكر يا مفضل في طلوع الشمس وغروبها ، لإقامة دولتي النهار والليل ، فلولا طلوعها لبطل أمر العالم كله ، فلم يكن الناس يسعون في معائشهم ، ويتصرفون في أمورهم ، والدنيا مظلمة عليهم ، ولم يكونوا يتهنون بالعيش مع فقدهم لذة النور وروحه . . . والأرب في طلوعها ظاهر مستغنى بظهوره عن الإطناب في ذكره ، والزيادة في شرحه . . . بل تأمل المنفعة في غروبها ، فلولا غروبها لم يكن للناس هدوء ولا قرار مع عظم حاجتهم إلى الهدوء والراحة لسكون أبدانهم ، وجموم حواسهم [3] وانبعاث القوة الهاضمة لهضم الطعام ، وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء ، ثم كان الحرص يستحملهم من مداومة العمل ، ومطاولته على ما يعظم نكايته في أبدانهم ، فإن كثيرا من الناس لولا جثوم [4] هذا الليل بظلمته عليهم ، لم يكن لهم هدوء ولا قرار ، حرصا على الكسب والجمع والادخار ، ثم كانت الأرض تستحمي بدوام الشمس بضيائها ، ويحمي كل ما عليها من حيوان ونبات ، فقدرها الله بحكمته وتدبيره ، تطلع وقتا وتغرب وقتا ، بمنزلة سراج يرفع لأهل البيت تارة ليقضوا حوائجهم ، ثم يغيب عنهم مثل ذلك ليهدؤا ويقروا ، فصار النور والظلمة ، مع تضادهما منقادين متظاهرين ما فيه صلاح العالم وقوامه .
[1] خبر مبتدأ محذوف أو بالنصب على الحالية أو لكونه مفعولا لأجله . [2] يؤفكون : يكذبون . [3] الجموم مصدر جم تقول جم القوم : استراحوا وكثروا . [4] الجثوم مصدر من قولهم جثم الليل .