( خلق البيضة والتدبير في ذلك ) إعتبر بخلق البيضة ، وما فيها من المح [1] الأصفر الخاثر [2] والماء الأبيض الرقيق ، فبعضه ينشو منه الفرخ ، وبعضه ليغتذي به ، إلى أن تنقاب عنه البيضة ، وما في ذلك من التدبير ، فإنه لو كان نشوء [3] الفرخ في تلك القشرة المستحفظة [4] التي لا مساغ لشئ إليها ، جعل معه في جوفها من الغذاء ما يكتفي به إلى وقت خروجه منها ، كمن يحبس في حبس حصين لا يوصل إلى من فيه ، فيجعل معه من القوت ما يكتفي به إلى وقت خروجه منه . ( حوصلة الطائر ) فكر يا مفضل في حوصلة الطائر ، وما قدر له فإن مسلك الطعم إلى القانصة [5] ضيق ، لا ينفذ فيه الطعام إلا قليلا قليلا ، فلو كان الطائر لا يلقط حبة ثانية ، حتى تصل الأولى إلى القانصة ، لطال عليه ، ومتى كان يستوفي طعمه ؟ . فإنما يختلسه اختلاسا ، لشدة الحذر ، فجعلت له الحوصلة كالمخلاة [6] المعلقة أمامه ، ليوعى فيها ما أدرك من الطعم بسرعة ، ثم تنفذه إلى القانصة على مهل ، وفي الحوصلة أيضا خلة أخرى ، فإن من الطائر ما يحتاج إلى أن يزق فراخه فيكون رده للطعم من قرب أسهل عليه .
[1] المح - بالضم - صفر البيض ، وفي بعض النسخ بالخاء المعجمة أي مخ . [2] خثر اللبن : ثخن واشتد فهو خاثر . [3] سقطت الهمزة من الأصل . [4] المستحفظة من استحفظه السر أو المال : سأله أن يحفظه . [5] القانصة للطير كالمعدة للإنسان جمعها قوانص . [6] المخلاة : ما يجعل فيه العلف ويعلق في عنق الدابة والجمع مخال .