بكاذبها ، فإنها لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم أنبياء ، ولو كانت كلها تكذب ، لم يكن فيها منفعة ، بل كانت فضلا لا معنى له ، فصارت تصدق أحيانا ، فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدى لها ، أو مضرة يتحذر منها ، وتكذب كثيرا لئلا يعتمد عليها كل الاعتماد . ( الأشياء المخلوقة لمآرب الإنسان وإيضاح ذلك ) فكر يا مفضل في هذه الأشياء التي تراها موجودة معدة في العالم من مأربهم ، فالتراب للبناء . والحديد للصناعات ، والخشب للسفن وغيرها والحجارة للأرحاء [1] وغيرها ، والنحاس للأواني . والذهب والفضة للمعاملة والذخيرة ، والحبوب للغذاء ، والثمار للتفكه ، واللحم للمأكل ، والطيب للتلذذ ، والأدوية للتصحح [2] والدواب للحمولة . والحطب للتوقد والرماد للكلس [3] ، والرمل للأرض ، وكم عسى أن يحصي المحصي من هذا وشبهه . . . أرأيت لو أن داخلا دخل دارا ، فنظر إلى خزائن مملوءة من كل ما يحتاج إليه الناس ، ورأى كل ما فيها مجموعا معدا لأسباب معروفة أكان يتوهم أن مثل هذا يكون بالإهمال ، ومن غير عمد ؟ فكيف يستجيز قائل أن يقول هذا من صنع الطبيعة في العالم ، وما أعد فيه من هذه الأشياء . اعتبر يا مفضل بأشياء خلقت لمآرب الإنسان ، وما فيها من التدبير فإنه خلق له الحب لطعامه ، وكلف طحنه وعجنه وخبزه ، وخلق له الوبر لكسوته ، فكلف ندفه وغزله ونسجه ، وخلق له الشجر ، فكلف غرسها
[1] الأرحاء جمع رحى وهي الطاحونة . [2] التصحح من صحح المريض : أزال مرضه . [3] الكلس : - بالكسر - ما يقوم به الحجر والرخام ونحوهما ويتخذ منها بإحراقها .