حاجتهم إلى ذلك منهم [1] ثم كان الأولاد لا يألفون آباءهم ولا يألف الآباء أبناءهم ، لأن الأولاد كانوا يستغنون عن تربية الآباء وحياطتهم ، فيتفرقون عنهم حين يولدون ، فلا يعرف الرجل أباه وأمه ، ولا يمتنع عن نكاح أمه وأخته ، وذوات المحارم منه ، إذا كان لا يعرفهن . وأقل ما في ذلك من القباحة ، بل هو أشنع وأعظم وأفظع وأقبح وأبشع ، لو خرج المولود بطن أمه وهو يعقل ، أن يرى [2] منها ما لا يحل له ، ويحسن به أن يراه ، أفلا ترى كيف أقيم كل شئ من الخلقة على غاية الصواب ؟ وخلا من الخطأ دقيقه وجليله [3] . ( منفعة الأطفال في البكاء ) اعرف يا مفضل ما للأطفال في البكاء من المنفعة . واعلم أن في أدمغة الأطفال رطوبة ، إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثا جليلة وعللا عظيمة ، من ذهاب البصر وغيره ، والبكاء يسيل تلك الرطوبة من رؤوسهم فيعقبهم ذلك الصحة في أبدانهم والسلامة في أبصارهم . أفليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع بالبكاء ووالداه لا يعرفان ذلك فهما دائبان [4] ليسكتانه ويتوخيان [5] في الأمور مرضاته لئلا يبكى ، وهما لا يعلمان أن البكاء أصلح له
[1] أي بان يبر الأبناء بآبائهم والعطف عليهم عند حاجة الآباء إلى ذلك في كبرهم وضعفهم ، وجزاء لما عانوا من الشدائد في سبيل تربية الأبناء . [2] خبر لقوله : أقل ما في ذلك . [3] إن بعض هذا البيان البديع من الإمام عن تدرج الإنسان في نموه ، ونموه في أوقاته ، كاف في حكم العقل ، بأن له صانعا صنعه عن علم وحكمة وتقدير وتدبير . ( عن كتاب الإمام الصادق ) للشيخ محمد حسين المظفر ج 1 ص 171 . [4] الدؤب : الجد والتعب . [5] التوخي . التحري والقصد .