الإنسان على غيره من الخلق ، وحمل النفس على البر والعمل الصالح احتسابا للثواب ، وثقة بما وعد الله عنه ، ولصار الناس بمنزلة الدواب التي تساس بالعصا والعلف ، ويلمع لها بكل واحد منهما ساعة فساعة فتستقيم على ذلك ، ولم يكن أحد يعمل على يقين بثواب أو عقاب ، حتى كان هذا يخرجهم عن حد الإنسية إلى حد البهائم ، ثم لا يعرف ما غاب ، ولا يعمل إلا على الحاضر من نعيم الدنيا ، وكان يحدث من هذا أيضا أن يكون الصالح إنما يعمل للرزق والسعة هذه الدنيا ، ويكون الممتنع من الظلم والفواحش إنما يكف عن ذلك لترقب عقوبة تنزل به من ساعته ، حتى تكون أفعال الناس كلها تجري على الحاضر لا يشوبه شئ من اليقين بما عند الله ، ولا يستحقون ثواب الآخرة والنعيم الدائم فيها ، مع أن هذه الأمور التي ذكرها الطاعن من الغنى والفقر والعافية والبلاء ليست بجارية على خلاف قياسه ، بل قد تجري على ذلك أحيانا والأمر المفهوم . فقد ترى كثيرا من الصالحين ، يرزقون المال لضروب من التدبير وكيلا يسبق إلى قلوب الناس أن الكفار هم المرزوقون ، والأبرار هم المحرومون ، فيؤثرون الفسق الصلاح ، وترى كثيرا من الفساق يعاجلون بالعقوبة إذا تفاقم طغيانهم وعظم ضررهم على الناس وعلى أنفسهم كما عوجل فرعون [1] بالغرق وبخت نصر [2] بالتيه وبلبيس [3] بالقتل وان أمهل بعض الأشرار
[1] قصة غرق فرعون في البحر معروفة في الكتب المقدسة ، والقرآن الكريم يشير إليها في أكثر من موضع واحد . [2] أو نبوخذ نصر كان أعظم ملوك الكدانيين ، وملك في بابل من سنة 604 إلى سنة 561 ق م وقد وصف بالقوة والبأس وعد من أبطال التاريخ في الشرق ، وجاء ذكره في التوراة كثيرا لأنه عاقب الأمم الغربية عقابا شديدا ، وهاجم اليهود - سكان مملكة يهوذا الصغيرة - هجوما صاعقا بعد أن أجلى أكثرهم إلى بابل ودمر عاصمتهم أورشليم تدميرا شديدا . [3] بلبيس كذا في الأصل وهو غير معروف عند المؤرخين ولم نجده فيما بين أيدينا من الكتب .