فضربه برجله ، فقام الحمار ينفض أذنيه فأسرجه وألجمه ثم ركب حتى لحق أصحابه ، فقالوا له : ما شأنك ؟ - قال : شأني أن الله بعث لي حماري . قال محمد بن عبيد : قال إسماعيل بن أبي خالد 1 : قال الشعبي : فأنا رأيت حماره بيع بالكناسة 2 .
1 - قال ابن حجر في تقريب التهذيب " إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي وهو بفتح الهمزة وسكون الحاء وفتح الميم ينسب إلى أحمس طائفة من بجيلة مولاهم البجلي ثقة ثبت من الرابعة مات سنة ست وأربعين " وصرح في تهذيب التهذيب في ترجمته بأنه روى عن الشعبي وقال هناك : " قال ابن المبارك عن الثوري : حفاظ الناس ثلاثة إسماعيل وعبد - الملك بن أبي سليمان ويحيى بن سعيد الأنصاري وهو يعني إسماعيل أعلم الناس بالشعبي وأثبتهم فيه وقال مروان بن معاوية : كان إسماعيل يسمى الميزان وقال علي : قلت ليحيى ابن سعيد : ما حملت عن إسماعيل عن الشعبي صحاح ؟ - قال : نعم وقال البخاري عن علي له نحو ثلاثمائة وقال أحمد : أصح الناس حديثا " عن الشعبي ابن أبي خالد " ( إلى آخر الترجمة ) . 2 - قال ابن كثير في البداية والنهاية ضمن ذكره معجزات النبي صلى الله عليه وآله ما نصه ( أنظر ج 6 ، ص 153 من النسخة المطبوعة ) : " حديث فيه كرامة لولي من هذه الأمة وهي معدودة من المعجزات لأن كل ما يثبت لولي فهو معجزة لنبيه قال الحسن بن عروة : حدثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي - سبرة النخعي قال : أقبل رجل من اليمن فلما كان ببعض الطريق نفق حماره فقام وتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قال : اللهم إني جئت من الدفينة مجاهدا " في سبيلك وابتغاء مرضاتك وأنا أشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور لا تجعل لأحد علي اليوم منة ، أطلب إليك اليوم أن تبعث حماري ، فقام الحمار ينفض أذنيه . قال البيهقي : هذا إسناد صحيح ومثل هذا يكون كرامة لصاحب الشريعة قال البيهقي : وكذلك رواه محمد بن يحيى الذهلي وغيره عن محمد بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي وكأنه عند إسماعيل عنهما والله أعلم . طريق أخرى قال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب " من عاش بعد الموت " : حدثنا إسحاق بن إسماعيل وأحمد بن بجير وغيرهما قالوا : حدثنا محمد بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن قوما أقبلوا من اليمن متطوعين في سبيل الله فنفق حمار رجل منهم فأرادوا أن ينطلق معهم فأبى فقام فتوضأ وصلى ثم قال : اللهم إني جئت من الدفينة مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك وإني أشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور لا تجعل لأحد علي منة فإني أطلب إليك أن تبعث لي حماري ثم قام إلى الحمار فقام الحمار ينفض أذنيه فأسرجه وألجمه ثم ركبه وأجراه فلحق بأصحابه فقالوا له : ما شأنك ؟ - فقال : شأني أن الله بعث حماري . قال الشعبي : فأنا رأيت الحمار بيع أو يباع في الكناسة يعني بالكوفة ، قال ابن أبي - الدنيا : وأخبرني العباس بن هشام عن أبيه عن جده عن مسلم عن عبد الله بن شريك النخعي أن صاحب الحمار رجل من النخع يقال له نباتة بن يزيد خرج في زمن عمر غازيا " حتى إذا كان يلقى عميرة نفق حماره فذكر القصة غير أنه قال : فباعه بعد بالكناسة فقيل له : تبيع حمارك وقد أحياه الله لك ؟ ! قال : فكيف أصنع ؟ ! وقد قال رجل من رهطه ثلاثة أبيات فحفظت هذا البيت : ومنا الذي أحيا الاله حماره * وقد مات منه كل عضو ومفصل " أقول : قال الدميري في حياة الحيوان في باب الحاء المهملة تحت عنوان " الحمار الأهلي " ما نصه : " فائدة - روى البيهقي في دلائل النبوة بسنده إلى أبي سبرة النخعي قال : أقبل رجل من اليمن وقال بعد أن ذكر الحديث إلى آخره ) : قال البيهقي : هذا إسناد صحيح ومثل هذه يكون معجزة لصاحب الشريعة حيث يكون في أمته من يحيي الله له الموتى كما سبق ويأتي ، والرجل المذكور اسمه نباتة بن يزيد النخعي قال الشعبي : أنا رأيت ذلك الحمار يباع بعد ذلك في السوق فقيل للرجل : أتبيع حمارا " قد أحياه الله لك ! ؟ - قال : فكيف أصنع ! ؟ فقال رجل من رهطه ثلاثة أبيات حفظت منها هذا البيت : ومنا الذي أحيا الاله حماره * وقد مات منه كل عضو ومفصل " وقال عفيف الدين اليافعي في روض الرياحين في حكايات الصالحين ما نصه : " الحكاية السابعة والعشرون بعد الأربعمائة ، - روي عن الشعبي - رضي الله عنه - قال : أقبل قوم من اليمن ( فساق القصة إلى أن قال ) قال الشعبي : فرأيت ذلك الحمار يباع في الكناسة فذهب رجل من جلساء الشعبي إلى محلته فروى هذا عن الشعبي فكذبوه وقالوا : يحيى حمار بعد الموت ؟ ! أنه يكذب على الشعبي ، قم معنا إليه ، فذهب معهم إلى الشعبي فقال : يا أبا عمرو ألست حدثتني بهذا الحديث ؟ فقال : متى كان ذلك ؟ فقال القوم : قد علمنا أنه يكذب على أبي عمرو ، فلما رجعوا قال له الرجل : يا أبا عمرو أليس قد حدثتني به ؟ ! فقال الشعبي : ويحك ، هل تباع الإبل في سوق الدجاج ؟ ! رضي الله عنه . قلت : أنكر الإمام الشعبي - رضي الله عنه - على هذا الرجل لكونه حكى كرامة عظيمة لقوم لا تقبلها عقولهم ولا تبلغ إليها أفهامهم ، ومثل رأس مالهم في العلم برأس مال التجار في الدجاج ، ومثل رأس مال من يعقلها ويقبلها في العلم برأس مال التجار في الإبل وهذا تساهل منه في التمثيل بالإبل ذلك أعز وأرفع وأعلى وأغلى من الجواهر النفاس ، ومثل رأس مال المنكرين أقل وأصغر وأدنى وأحقر من فلوس النحاس ، وإلى الفريقين أشار النبي المختار بقوله - عليه الصلاة والسلام - : لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها عن أهلها فتظلموهم " ( انتهى كلام اليافعي ) أقول : من الأحاديث المعتبرة المشهورة : " نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن تكلم الناس على قدر عقولهم " . ونظير القصة ما ذكره القشيري في رسالته في أواخر باب كرامات الأولياء ( ص 174 من طبعة مصر سنة 1367 بما نصه : " سمعت حمزة بن يوسف السهمي الجرجاني يقول : سمعت أبا أحمد بن عدي الحافظ يقول : سمعت أحمد بن حمزة بمصر يقول : حدثني عبد الوهاب وكان من الصالحين قال : قال محمد بن سعيد البصري : بينا أنا أمشي في بعض طرق البصرة إذ رأيت أعرابيا " يسوق جملا فالتفت فإذا الجمل قد وقع ميتا ووقع الرحل والقتب فمشيت ثم التفت إذا الأعرابي يقول : يا مسبب كل سبب ويا مؤمل كل من طلب رد على ما ذهب من جمل يحمل الرحل والقتب ، فإذا الجمل قائم والرحل والتقب فوقه " . قال الدميري في حياة الحيوان في باب الجيم تحت عنوان " الجمل " في ذيل فائدة ( ص 251 ج 1 من طبعة مصر سنة 1275 ) ما نصه : " وحكى القشيري في رسالته عن محمد بن سعيد البصري أنه قال : بينما أنا أمشي في بعض طرق البصرة ( فبعد أن ساق القصة إلى آخرها قال : ) وإحياء الموتى كرامة فهو وإن كان عظيما إلا أنه جائز على القول الصحيح المختار عند المحققين المعتمدين من أئمة الأصول إذ ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي بشرط أن لا يدعي التحدي كالنبوة ، وإحياء الموتى كرامة للأولياء كثير لا ينحصر وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر طرف من ذلك في أماكنه من هذا الكتاب " . أقول : لو أردنا أن نذكر ما ذكره علماء أهل السنة من هذا القبيل لصار المجموع كتابا " كبيرا " وإنما ذكرنا هذا المقدار تشييدا " لأساس ما نقله المصنف ( ره ) حتى لا ينكره من ليس له اطلاع على حقيقة الأمر والسلام على من اتبع الهدى .