ومن مراجعة محتويات هذه المجموعة وأوصافها وما جاء عنها في كتب الفهارس ، يظهر أنّ كلّ تراثنا الحديثي المتبقّي إلى اليوم إنّما هو مقدار يسير من التراث الذي حفظ من الدمار الذي تعرّضت له آثار الشيعة من بعد وفاة الإمام الصادق ( عليه السلام ) إلى زمن الشيخ الكليني ( رحمه الله ) ، وإن كان ما تبقّى منه إلى اليوم عظيماً أيضاً . وهذه المجموعة الروائيّة من حيث اشتمالها على حقائق هامة عن كيفية الرواية في كتب المتقدّمين ، وبخاصّة أصحابنا ، تكاد تكون أهمّ كتاب من نوعه وأقدم كتاب سلم من الاندراس والضياع ؛ حيث يكشف عن حقائق مهمّة كثيرة كانت مبهمة منذ قرون . وبفضل بقائها إلى اليوم أمكن تفسير جانب مهم من جوانب تاريخ أصحابنا الروائي - الثقافي الذي خيّم عليه الغموض طيلة قرون متمادية . وأمّا الكلام حول حركة علم الحديث في الشيعة - التي ابتدأت بصورة ملموسة من زمن الإمام الباقر ( عليه السلام ) - وكيفية أخذ الحديث ومجالس الحديث في ذلك العصر ، فنرجئه إلى فرصة قادمة إن شاء الله ؛ لأنّه بحاجة إلى دراسة مستقلة ومفصّلة ، وربّما فتحنا له - بإذن الله - فصلاً في كتابنا الكبير في الأخبار . مراحل ضياع التراث الإسلامي عبر القرون ويمكن لنا أن نقسّم مراحل ضياع التراث الإسلامي إلى ثلاث مراحل رئيسية : الأُولى : ضياعه من بعد وفاة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) وفي فترة المنع عن تدوين الحديث واستيلاء بني أُميّة على الحكم والخلافة ، إلى زمن الإمام محمّد بن عليّ الباقر ( عليه السلام ) ؛ فإنّ غالب السنّة النبويّة والأخبار العلويّة التي حفظها الصحابة والتابعون في الكتب قد ضاعت في هذه المرحلة ؛ وذلك لإخفائها عن الناس خوفاً من المتغلّبين على السلطة الساخطين على أصحاب هذه الكتب وعلى ما احتوته كتبهم . وأمّا في زمن الإمام الباقر والصادق ( عليهما السلام ) فقد نشطت حركة علم الحديث في العالم الإسلامي .