نام کتاب : الاحتجاج نویسنده : الشيخ الطبرسي جلد : 1 صفحه : 306
الصفاء اليابس ، والحجر الجامس ، ولو فكرت في مجاري أكلها ، وفي علوها وسفلها وما في الجوف من شراسيف بطنها ، وما في الرأس من عينها وأذنها ، لقضيت من خلقتها عجبا ، ولقيت من وصفها تعبا ، فتعالى الذي أقامها على قوائمها ، وبناها على دعائمها ، ولم يشركه في فطرتها فاطر ، ولم يعنه على خلقها قادر ، ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطر النملة هو فاطر النحلة ، لدقيق تفصيل كل شئ ، وغامض اختلاف كل حي ، وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف ، والقوي والضعيف في خلقه إلا سواء ، كذلك السماء والهواء ، والريح والماء ، فانظر إلى الشمس والقمر والنبات والشجر ، والماء والحجر ، واختلاف هذا الليل والنهار ، وتفجر هذه البحار والأنهار ، وكثرة هذه الجبال وطول هذه القلال ، وتفرق هذه اللغات والألسن المختلفات ، فالويل لمن أنكر المقدر ، أو جحد المدبر ، وزعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع ، ولا لاختلاف صورهم صانع ، لم يلجؤا إلى حجة فيما ادعوا ، ولا تحقيق فيما أوعوا ، وهل يكون بناء من غير بأن ، أو جناية من غير جان ، وإن شئت قلت في الجرادة : إذ خلق لها عينين حمراوين ، وأسرج لها حدقتين قمراوين ، وجعل لها السمع الخفي ، وفتح لها الفم السوي ، وجعل لها الحس القوي ، ونابين بهما تقرض ، ومنجلين بهما تقبض ترهبها الزراع في زرعهم ، ولا يستطيعون ذبها ولو أجمعوا بجمعهم ، حتى ترد الحرث من نزواتها ، وتقضي منه شهواتها ، وخلقها كله لا يكون إصبعا مستدقة ، فتبارك الله الذي يسجد له من في السماوات والأرض طوعا وكرها ، ويعفر له خدا ووجها ، ويلقي بالطاعة له سلما وضعفا ، ويعطي له القياد رهبة وخوفا ، والطير مسخرة لأمره ، أحصى عدد الريش منها والنفس ، وأرسى قوائمها على الندى واليبس قدر أقواتها وأحصى أجناسها ، فهذا غراب ، وهذا عقاب ، وهذا حمام ، وهذا نعام دعا كل طائر باسمه ، وكفل له برزقه ، وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها ، وعدد قسمها ، قبل الأرض بعد جفوفها ، وأخرج نبتها بعد جدوبها .
306
نام کتاب : الاحتجاج نویسنده : الشيخ الطبرسي جلد : 1 صفحه : 306