صمد رجال مخلصون ، جاهدوا لنشر السنة الحقيقية التي تبين أقوال النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسيرة الرسول مع المسلمين حتى أن ضحوا بأنفسهم في هذا السبيل . ومن زعماء هذه الفئة الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري فإنه كان جالسا ذات يوم عند الجمرة الوسطى في منى فاجتمع حوله أناس مسلمون كثيرون يسألونه عن دينهم ، وإذا بأحد مرتزقة بني أمية يشهد المنظر فتخلل الناس حتى وقف على أبي ذر فقال : ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا ؟ فقال أبو ذر : أأنت رقيب علي - ثم أشار إلى حلقه - وقال : والله لو وضعتم الصمصامة على هذه على أن أترك كلمة سمعتها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لأنفذتها قبل أن يكون ذلك [1] . ومن هذه الفئة أيضا رشيد الهجري ، فإنه لما تولى ابن زياد الكوفة قطع يده ورجله ، فلما حمل إلى أهله عاده الناس وهم باكون ، فقال لهم : أيها الناس ، ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى يوم القيامة ، فأخبر ابن زياد فأمر بقلع لسانه [2] . وعلى هذا النهج خطا ميثم التمار ، فإنه لما تولى ابن زياد الكوفة ألقى القبض عليه فصلبه وقطع يده ورجله ، فكان ينادي بأعلى صوته وهو مصلوب : أيها الناس من أراد أن يسمع الحديث المكنون عن علي بن أبي طالب ؟ قال : فاجتمع الناس وأقبل يحدثهم بالعجائب ، فأخبر ابن زياد بذلك ، فأمر بقطع لسانه ، وتشحط ميثم ( رحمه الله ) ساعة في دمه ثم مات [3] . وهكذا آل الأمر في ذلك العصر إلى أن الخليفة أصبح ذا هيمنة كبيرة بحيث كان بإمكانه أن يحرم ما أحله الله ورسوله ، ويحلل ما حرمه الله ورسوله ، ويبتدع قوانينا
[1] سنن الدارمي 1 : 146 باب ( 46 ) باب البلاغ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتعليم السنن ح 4 ، طبقات ابن سعد ج 2 : 354 . هذه الرواية ومثيلاتها هي مما تطاولت إليها الأيادي الآثمة بالتقطيع والإسقاط . [2] اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) للشيخ الطوسي 1 : 290 ، 131 ترجمة رشيد الهجري ، بحار الأنوار 42 : 122 كتاب تاريخ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) باب ( 122 ) باب أحوال رشيد الهجري ح 1 ، و ج 75 : 433 كتاب العشرة باب ( 87 ) باب التقية والمداراة ح 95 . [3] اختيار معرفة الرجال 1 : 298 ح 139 ترجمة ميثم التمار .