المسلمين من رواية الحديث وتدوينه ، ويلزمهم رواية الأحاديث التي جمعها ودونها هو بنفسه فقط ، ولهذا السبب اتخذ سياسة حظر نشر الأحاديث مطلقا لكي يخلي سواعد المسلمين من حملهم لهذا السلاح القوي - الحديث - فأعلن للمسلمين قائلا : فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله [1] . لأن القرآن على عكس أحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، يمكن تأويل آياته وتفسيرها حسب ما تقتضيه المصالح والأهواء [2] . عندما أدركت المنية أبا بكر أدلى بالخلافة إلى عمر [3] ، ولا يخفى إن أكثر المسلمين لما ابتعدوا عن التعايش مع أقوال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقدوا وعيهم الديني ، فانقادوا طائعين لأوامر الخليفة . وخطا عمر في خلافته نفس السياسة التي ساسها أبو بكر فمنع نقل الحديث بكل جهد ، وأعلن متظاهرا بإعطاء الناس حريتهم وشاورهم في رواية حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتدوينه فأشاروا عليه بضرورة هذا الأمر ، فاحتال بعد شهر واحد قضاه في التفكير في هذه المهمة ، فظهر أنه قد حصل على النتيجة المطلوبة بزعمه ، فجاء إلى الناس وأعلن قائلا : إني كنت أردت أن أكتب السنن وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها فتركوا كتاب الله تعالى ، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشئ أبدا [4] . وتراه أنه عندما كان يبعث أحدا لمهمة ما ، يأمره بأن لا يحدث الناس بأحاديث
[1] تذكرة الحفاظ 1 : 7 . [2] حيث إن للقرآن بطون ومعان متعددة ، ولذلك يمكن لكل أحد أن يفسر الآيات حسب رأيه الذي يراه صوابا . وقال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) لابن عباس لما بعثه لاحتجاج على الخوارج على أحقية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ويتم عليهم الحجة لئلا يكون لهم حجة على الله : لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمال ذو وجوه تقول ويقولون ولكن حاججهم بالسنة فإنهم لن يجدوا عنها محيصا . وصية 77 من نهج البلاغة . المعرب . [3] قال علي ( عليه السلام ) : حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده ، نهج البلاغة : 3 . [4] الطبقات الكبرى 3 : 286 ، جامع بيان العلم وفضله 1 : 64 - 65 .