عاص بن وائل ذلك العدو اللدود للنبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، والذي أنزل الله تعالى فيه سورة الكوثر ردا بشنآنه للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعيره القرآن بالأبترية ، وعمرو كذلك كان خصما لدودا لعلي ( عليه السلام ) بحيث لم يتهاون في عداوته عن اتخاذ أي وسيلة في سبيل ذلك . ولما كان نقل مطاعنه وكتابة مثالبه التي نقلها المؤرخون وأصحاب التراجم وعلماء الرجال بحاجة إلى كتاب مستقل [1] ، وهو مما يؤدي إلى الإطالة والخروج عن نطاق هذا الكتاب ، اكتفينا بذكر كلام للإمام علي ( عليه السلام ) بشأن عمرو حتى يتجلى لنا كذبه وافتراءه وبهتانه على أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) . وهذا الكلام العلوي يبدو وكأنه لافتة تكشف لنا شخصية ابن العاص الدينية ودرجة اعتقاده ويبين مدى أهمية أحاديثه التي أخرجها له الصحيحان وسماها بالصحيح . قال أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) : عجبا لابن النابغة - أم عمرو كانت معروفة في الجاهلية أنها ذات راية حمراء - يزعم لأهل الشام أن في دعابة وأني امرء تلعابة أعافس وأمارس ، لقد قال باطلا ونطق آثما ، أما وشر القول الكذب ، وإنه ليقول فيكذب ، ويعد فيخلف ، ويسأل فيبخل ، ويسأل فيلحف ، ويخون العهد ، ويقطع الإل ، فإذا كان عند الحرب ، فأي زاجر وآمر هو ! ما لم تأخذ السيوف مآخذها ، فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سبته ، أما والله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت ، وإنه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة ، إنه لم يبايع معاوية حتى شرط أن يؤتيه آتية ، ويرضخ له على ترك الدين رضيخة [2] . هذا بيان الحق عن عقيدة عمرو بن العاص وأخلاقه ، وهو من أولئك الذين كان الإمام علي ( عليه السلام ) يلعنهم كل صباح ومساء [3] .
[1] لقد ألف المؤلف فيما سبق كتابا في تاريخ حياة عمرو بن العاص ونرجو من الله القدير أن يوفقه لطبعه . [2] نهج البلاغة خطبة رقم 84 ، وأمالي الشيخ الطوسي : 83 . [3] تاريخ الطبري 5 : 40 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 5 : 79 ، الإستيعاب 4 : 1600 ترجمة أبي الأعور السلمي رقم 2849 ، و ج 3 : 906 ترجمة عبد الله بن الزبير رقم 1535 . أقول : قال ابن أبي الحديد - بعد نقله لكلام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) المذكور في ذم عمرو بن العاص - : وكان عمرو أحد من يؤذي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمكة ويشتمه ويضع في طريقه الحجارة ، لأنه كان ( صلى الله عليه وآله ) يخرج من منزله ليلا فيطوف بالكعبة وكان عمرو يجعل له الحجارة في مسلكه ليعثر بها ، وهو أحد القوم الذين خرجوا إلى زينب ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما خرجت مهاجرة من مكة إلى المدينة فروعوها وقرعوا هودجها بكعوب الرماح حتى أجهضت جنينا ميتا من أبي العاص بن الربيع بعلها ، فلما بلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نال منه وشق عليه مشقة شديدة ولعنهم ، روى ذلك الواقدي . وروى الواقدي أيضا وغيره من أهل الحديث أن عمرو بن العاص هجا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هجاء كثيرا كان يعلمه صبيان مكة فينشدونه ويصيحون برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا مر بهم رافعين أصواتهم بذلك الهجاء ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يصلي بالحجر : اللهم إن عمرو بن العاص هجاني ولست بشاعر ، فالعنه بعدد ما هجاني . وذكر بعد ذلك عن الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات عن الحسن المجتبى أنه قال لابن العاص : وأما أنت يا ابن العاص فإن أمرك مشترك وضعتك أمك مجهولا من عهر وسفاح فتحاكم فيك أربعة من قريش فغلب عليك جزارها ألأمهم حسبا وأخبثهم منصبا ثم قام أبوك فقال : أنا شانئ محمد الأبتر ، فأنزل الله فيه ما أنزل - ( إن شانئك هو الأبتر ) - وقاتلت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في جميع المشاهد وهجوته وآذيته بمكة وكدته كيدك كله وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل مكة ، فلما أخطأك ما رجوت ، ورجعك الله خائبا ، وأكذبك واشيا جعلت حدك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به إلى النجاشي حسدا لما ارتكب من حليلته ففضحك الله وفضح صاحبك فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والإسلام . ثم إنك تعلم وكل هؤلاء الرهط يعلمون إنك هجوت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بسبعين بيتا من الشعر فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي ، اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة فعليك إذا من الله ما لا يحصى من اللعن . ( شرح نهج البلاغة 6 : 291 ) . أقول : لا بد أن لعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إياه تعد زكاة له وطهورا وأجرا وتقربا إلى الله كما زعم مسلم وأخرج أحاديث مدلسة على النبي أنه قال : إنما أنا بشر . . . وروى ابن أبي الحديد أيضا أن عائشة كانت تلعن عمرو بن العاص لما كان يدعي أنه قتل ذا الثدية وقالت : سمعت رسول الله يقول : يقتله خير أمتي من بعدي . ( شرح نهج البلاغة 2 : 268 ) والذي قتل ذا الثدية هو أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فعلى هذا فعلي ( عليه السلام ) خير الأمة جميعا بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بإقرار عائشة .