أيضا ، ومن هنا فلم يستطع أحد من أصحاب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أن يروي أو يكتب ما سمعه من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بل ألقوا ما كتبوا من الأحاديث في الماء أو أحرقوها بالنار ، وتبريرا لما فعلوه تجاه الحديث وتثبيتا لهذه الخطيئة الغير علمية اختلقوا أحاديث ونسبوها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . نحو : ( لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه [1][2] . المنع في عهد أبي بكر : إن الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إنكم تحدثون عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه [3] . وقالت عائشة : جمع أبي الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكانت خمسمائة حديث فبات ليلة يتقلب كثيرا . قالت : فغمني فقلت : أتتقلب لشكوى أو لشئ بلغك ؟ فلما أصبح قال : أي بنية ! هلمي بالأحاديث التي عندك ، فجئته بها ، فدعا بنار فحرقها . فقلت : لم أحرقتها ؟ قال : خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذلك [4] .
[1] صحيح مسلم 4 : 2298 كتاب الزهد والرقاق باب ( 16 ) باب التثبت في الحديث ح 72 . [2] والدليل على كون هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة والمختلقة هو عدم تمسك أبي بكر وعمر به ، وسوف تقرأ في الفصول الآتية بأن أبا بكر وعمر قد تذرعا بمعاذير واهية واستدلا على منعهما نقل أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتدوينها بأدلة تافهة وحجج ركيكة ، ولو كان هذا الحديث مما قد ورد عن رسول الله حقا لتمسكا به في توجيه غايتهما ، وأضف على هذا ، ولو سلمنا صحة الحديث لكان الإمام مالك بن أنس ( الموطأ ) والإمام أحمد بن حنبل ( المسند ) ومؤلفو الصحاح والسنن والمسانيد هم أول من خالفوا أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأسرعوا بعمل نهى عنه النبي ( صلى الله عليه وآله ) . ولذا ترى أن علماء أهل السنة استنكروا صدور هذا الحديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو أنهم ادعوا صدوره واختصاصه بمجالات خاصة . [3] تذكرة الحفاظ للذهبي 1 : 3 . [4] المصدر : 5 .