الناس عبد الرحمن بن ملجم المرادي ودفن في الغري ؟ ولا غرو أن يحتوي صحيح البخاري وصحيح مسلم على مثل هذه الأحاديث الموضوعة التي لا أصل لها - كالحديث المذكور - ، وهذه هي المسائل التي تسمى عند أهل السنة بالصحيحة ، والتي طفحت في المجتمع الإسلامي واتخذها أهل السنة ذريعة للتهجم والمؤاخذة على الآخرين . ولكن ما هي القصة المذكورة ، ومن أين نشأت ؟ ورد في المصادر التاريخية أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانت عنده عمامة تسمى السحاب ، فوهبها يوم غدير خم لعلى ( عليه السلام ) كرامة له ، فكان ربما طلع عليه علي ( عليه السلام ) بتلك العمامة فيقول ( صلى الله عليه وآله ) وهو فرح : أتاكم علي في السحاب . وسعد شيعة علي ( عليه السلام ) بتلك المفخرة وكانوا يرددون قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : جاء علي ( عليه السلام ) في السحاب [1] . إلا أن مسلم أعرض عن ذكر أصل الحديث وأبى عن سرد القصة الحقيقية ، واكتفى بذكر حديث موضوع على النحو الذي ذكرناه ونسبه إلى الشيعة ! ! بين البخاري والإمام الصادق ( عليه السلام ) بينا سابقا في مبحث رجال الصحيحين إنهما نقلا أحاديث عن بعض الرواة الذين هم من الخوارج والنواصب ، وخاصة الذين ثبتت عداوتهم ومنابذتهم لأهل البيت ( عليهم السلام ) بنحو القطع ، واختص البخاري في النقل عن عمران بن حطان ، وهو من زعماء الخوارج ومن فقهائهم ومتكلميهم وخطبائهم ، ونرى أن إيمان البخاري وتقواه : قد أجازا له أن يروي عن هؤلاء المعلومي الحال ولم يسمحا له من أن ينقل ولو حديثا واحدا عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) . ويتجلي لك هذا الأمر أكثر وضوحا ، ويرتفع الحجاب عن العصبية الطائفية التي كانت عند البخاري عندما تتمعن في الحقائق التاريخية والاجتماعية ، وتدرس شخصية
[1] سيرة الحلبي 3 : 341 . وتفصيل القصة تجده في موسوعة الغدير 1 : 292 ، فراجعه .