ومن المعروف أن الاقتباس من كتاب الله وحديث نبيه جائز ، حتى ولو اقتطع المقتبس موضع الشاهد المناسب من أواخر الآية أو أواسطها ، أو اختار عبارات من الحديث أو ألفاظا . وقد كان من دلائل جواز الاقتباس عند بعض البلاغيين أن الإمام عليه السلام أكثر منه في كلامه ، وهو حجة ، فلا مسوغ للتساؤل عن اقتطافه كرم الله وجهه ألفاظا وتركه ألفاظا أخر ، ما دام غير قاصد إلى النقل الحرفي ، وإنما كان قاصدا إلى طبع أسلوبه بطابع إسلامي صريح . ولذلك جعلنا هذه المقتطفات القرآنية والنبوية بين مزدوجين هكذا " . . . ) ، ورددنا الآيات إلى وجهها في التلاوة في فهرسها الخاص . ولا حظنا - بصورة مؤكدة - أن بعض أحاديث الرسول عزيت إلى على ، ولا بد من التحقيق قبل الحكم في هذه القضية بسلب أو إيجاب . ولما صنعنا الفهرس السابع للعقائد الدينية ، والفهرس الثامن للأحكام الشرعية ، لم نعجب لقلة الأحكام إذا ما قيست بالعقائد ، لأن كتابا كالنهج يجمعه الشريف الرضي من أقوال الإمام عليه السلام يفترض فيه أن يكثر مضمونه في مسائل العقيدة ، وألا يتطرق من مسائل الفقه والتشريع إلا لما جاء عرضا أو كانت صلته بالعقيدة أوثق منها بالأحكام . ولعلنا - في ضوء هذه الفكرة - نقف على السر فيما انبث أثناء خطب الإمام في " الإلهيات " من عبارات شبيهة بالفلسفية والكلامية ، كالأين والكيف ، والحد المحدود ، وصفات الله النفسية بوجه خاص ، وهي التي عقدنا لها الفهرس التاسع نجمع فيه بين يدي الدارس ما يحلل به العوامل والأسباب التي أتاحت لمثل علي في صدر الإسلام أن يطلق بعض هذه الألفاظ الاصطلاحية ، سابقا بها نظرات المتكلمين . ولسنا نريد بهذا أن نومىء إلى " وضع " الخطب المشتملة على هذه الألفاظ برمتها ، ولا إلى الحكم العاجل " بصحتها " من غير تحقيق ، فمثل هذه الدراسة تحوج إلى كتاب خاص يتناول جميع ما أورده النقاد من شبهات تشكك في نسبة هذه الخطب - كلا أو بعضا - إلى الإمام عليه السلام . وهو عمل كنت تجشمت القيام بكثير منه منذ اخترت لطلابي في كلية الآداب تدريس " نهج البلاغة " على أنه نموذج للنثر الفني في صدر الإسلام . ولا أستطيع الآن أن أصرح - لأني منذ سنوات لا أزال منكبا على هذا الموضوع - إلا بأن معظم خطب