ترقى إليه الريبة ، وذلك في الوقت نفسه لا ينفي أن الأستاذ الإمام لم ير أي شرح من شروح " النهج " يوم طبع الكتاب أول مرة في المطبعة الأديبة في بيروت . ولو أن محيي الدين الخياط رأي تلك الطبعة البيروتية الأولى لما لاحظ من التشابه بين الشرحين إلا ما وقع مصادقة واتفاقا ، فمن المؤكد إذا أن الخياط إنما اطلع على الطبعة المصرية التي اشتملت على زيادات مقتطفة من شرح ابن أبي الحديد ، وكان قد تيسر حينذاك للإمام محمد عبده أن يرى هذا الشرح بعد عودته إلى مصر . وليت الإمام في مقدمته للطبعة المصرية أشار إلى هذا ، ولو فعل لأزال من صدور الباحثين كل ريبة ، ولكنه رحمه الله بصمته التام في هذا الصدد تركنا نتساءل ونحاول التوضيح والتعليل . على أني واثق بأن الشيخ عبده لم يقرأ شرح ابن أبي الحديد من أوله إلى آخره قراءة دقيقة واعية ، وإنما رجع منه إلى ما لم يكن مطمئنا إلى تفسيره في الطبعة البيروتية اطمئنانا كاملا ، وبهذا نعلل مغايرة شرح لشرح ابن أبي الحديد في طائفة من الكلمات . ولقد يستطرد ابن أبي الحديد لدى تفسير كلمة أو عبارة ، فيستغرق باستطراده صفحات يؤيد بها وجهة نظره بالشواهد والنصوص ، وإذا هي عند محمد عبده تناقض ما يقول من غير إنما إلى مواطن الاختلاف ، مع أن الأستاذ الإمام يعني نفسه في مواضع أخر يذكر عدد من الوجوه ، ويحاول - ولو بإيجاز شديد - أن يقارن بين صور الاختلاف في قراءة اللفظ أو تبيان المدلول . وذلك يعني في نظرنا أن محمد عبده اطلع على الشرح اطلاعا غير كاف ، وربما قرأ بعضه بإمعان حيثما آنس الحاجة ، فأما سائر الشرح فقد تصفحه تصفحا ، بل لا أستبعد أن يكون مر ببعضه مرورا عابرا غير مجشّمٍ نفسه حتى عناء تصفحه . ومن الغريب أن علامة كالشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد لما طبع " نهج البلاغة " في مطبعة الاستقامة ، ومعه شرح الأستاذ الإمام ، لم يجرؤ على تصحيح شيء من تصحيفاته وبعض ما وقع فيه من الأوهام ، رغم ما ذكره في مقدمته من زيادته أشياء ذات بال ، فبدا لنا هذا اللغوي المعروف معولا كل التعويل على شرح الإمام ، غير مكلف نفسه أن يستوثق من أفصح القراءات ، وأفضل التأويلات . وعلى ذلك مضى الأستاذ عبد العزيز سيد الأهل في طبعة دار الأندلس بيروت ، حتى لكأنه صور شرح الأستاذ الإمام تصويرا . واقتصارنا في فهرس الألفاظ المشروحة على الحد الضروري من الإيضاح لم يأذن لنا بالتعقيب