لسلطتها الرهيبة على الزراع في زرعهم ، فلو أجلبوا بجمعهم لما استطاعوا لها ذبا ولا دفعا مع أن حجمها لا يزيد على إصبع مستدقة ! ويخم الإمام كلامه هذا بالتذكير بعظمة الخالق الذي يسجد له من في السماوات والأرض طوعا وكرها ، ويعنو له خدا ووجها ، ويلقي إليه بالطاعة سلما وضعفا . وكل هذا ليس بشيء إذا ما قيس بوصف الإمام للطاووس ، فما ترك شيئا من شباته إلا وصفه وصفا دقيقا جميلا : فهو يمشي مختالا كأنه يزهو بما منحته الطبيعة من جمال ، وقوائمه حمش كقوائم الديكة الخلاسية ، وألوانه الزاهية المتنوعة تشبه ألوان الربيع أو موشي الحلل " فإن شبهته بما أنبتت الأرض قلت : جنى جني من زهرة كل ربيع ، وإن ضاهيته بالملابس فهو كموشي الحلل أو مونق عصب اليمن ، وإن شاكلته بالحي فهو كفصوص ذات ألوان قد نطقت باللجين المكلل " ! وإن الإمام ليعجب لشيء في هذا الحيوان لا بد أن يثير العجب حقا : فكلما سقطت منه ريشة نبتت مكانها ريشة جديدة تحمل الألوان نفسها والتقاسيم ذاتها ويتطرق الإمام إلى علاقة الطاووس مع أنثاه ، ويوضح كيف يدرج إليها مختالا ، وينفي زعم من قال : إن الطاووس يلقح أنثاه بدمعة تسفحها مدامعه ، ويثبت أن الملاقحة عند هذا الظائر لا تختلف عن الملاقحة لدى الفحول المغتلمة للضراب . وينتهي وصف الطاووس أيضا بالتذكير بعظمة الخالق وحكمته في خلقه ، كأن الوصف - مهما يبد مستقلا قائما بنفسه - إنما يخضع للغرض الديني ، وللعبرة التي لا بد أن ينبه علي إليها الأسماع والقلوب . ومن المتوقع - بعد هذا كله ، بل قبل هذا كله - أن يدور معظم خطب الإمام حول العليم والإرشاد ، إذ كان ربيب الرسول ، فنهل العلم من بيت النبوة العظيم . وكان لزاما - عليه فوق هذا - بحكم الخلافة ، وما يفترض في الخليفة من توجيه ووعظ وإرشاد - أن يخطب الناس كل جمعة ، ويعرفهم رأي الإسلام الصحيح في الفتن والملمات والأحداث . ومن " هنا كثرت خطبه في التحذير من الفتن ، والدعوة إلى الزهد في