نام کتاب : كمال الدين وتمام النعمة نویسنده : الشيخ الصدوق جلد : 1 صفحه : 593
إن الزارع خرج ببذره الطيب ليبذره ، فلما ملا كفيه ونثره وقع بعضه على حافة الطريق فلم يلبث أن التقطه الطير ووقع بعضه على صفاة قد أصابها ندى وطين فمكث حتى اهتز . فلما صارت عروقه إلى يبس الصفاة مات ويبس ، ووقع بعضه بأرض ذات شوك فنبت حتى سنبل ، وكاد أن يثمر فغمه الشوك فأبطله ، وأما ما كان منه وقع في الأرض الطيبة وإن كان قليلا فإنه سلم وطاب وزكى ، فالزارع حامل الحكمة ، وأما البذر ففنون الكلام ، وأما ما وقع منه على حافة الطريق فالتقطه الطير فما لا يجاوز السمع منه حتى يمر صفحا ، وأما ما وقع على الصخرة في الندى فيبس حين بلغت عروقه الصفاة فما استحلاه صاحبه حتى سمعه بفراغ قلبه وعرفه بفهمه ولم يفقه بحصافة ولا نية ، وأما ما نبت منه وكاد أن يثمر فغمه الشوك فأهلكه فما وعاه صاحبه حتى إذا كان عند العمل به حفته الشهوات فأهلكته ، وأما ما زكى وطاب و سلم منه وانتفع به فما رآه البصر ووعاه الحفظ ، وأنفذه العزم بقمع الشهوات وتطهير القلوب من دنسها . قال ابن الملك : إني أرجوا أن يكون ما تبذره أيها الحكيم ما يزكو ويسلم و يطيب ، فاضرب لي مثل الدنيا وغرور أهلها بها . قال بلوهر : بلغنا أن رجلا حمل عليه فيل مغتلم [1] فانطلق موليا هاربا وأتبعه الفيل حتى غشيه فاضطره إلى بئر فتدلى فيها وتعلق بغصنين نابتين على شفير البئر و وقعت قدماه على رؤوس حياة ، فلما تبين له أنه متعلق بالغصنين فإذا في أصلهما جرذان يقرضان الغصنين ، أحدهما أبيض والآخر أسود ، فلما نظر إلى تحت قدميه ، فإذا رؤوس أربع أفاع قد طلعن من جحرهن ، فلما نظر إلى قعر البئر إذا بتنين فاغر فاه [2] نحوه يريد التقامه ، فلما رفع رأسه إلى أعلا الغصنين إذا عليهما شئ من عسل النحل فيطعم من ذلك العسل ، فألهاه ما طعم منه ، وما نال من لذة العسل وحلاوته عن التفكر في