أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ولم يكن أحد غيره حاملا بجميعها باتّفاق الأُمّة وقالت العامّة لم يخصّ ( صلى الله عليه وآله ) أحداً من الأُمّة بجميعها وإنّما أدّى جميعها إلى جميع الأُمّة بأن أخذ كلّ واحد منهم ما يليق بفهمه ، ثمَّ أدّوا إلى التابعين كذلك ، وهكذا إلى انقراض العالم . وأنت تعلم ما في هذا القول ولكن من أضلّه الله فلا هادي له . ( و صبر لربّه ) أي صبر لرضا ربّه وطلب التقرّب منه في تبليغ الرسالة وأداء أثقال النبوَّة على تحمل المشاقّ وأذى المعاندين وطعن الطاعنين من كفرة قريش وفسقة العرب ( و جاهد في سبيله ) الّذي هو التوحيد ودين الحقّ مع قلّة العَدد وضعف العِدد ( 1 ) ( و نصح لامّته ) النصح في اللّغة الخلوص ، يقال : نصحه ونصح له ، فتعديته إلى المنصوح إمّا بنفسه أو باللاّم ، والمراد بنصحه لهم إرشادهم إلى مصالح دينهم ودنياهم وتعليمه إيّاها وعونهم عليها والذّب عنهم وعن أعراضهم ، وبالجملة جلب خير الدّنيا والآخرة إليهم خالصاً مخلصاً لوجه الله ، ومن ثمّ قيل : النصيحة في وجازة لفظها وجمع معانيها كلفظ « الفلاح » الجامع لخير الدّنيا والآخرة ( و دعاهم إلى النجاة ) النجاة مصدر نجوت من كذا إذا تخلّصت منه وتنحّيت عنه ، يعني دعاهم بالحكمة والموعظة الحسنة إلى نجاتهم من العقوبات والشدايد أو إلى ما به نجاتهم من المصالح وخلوص العقايد ( وحثّهم على الذّكر ) حثّ يتعدّى بعلى ، يقال : حثّه على كذا إذا حضّه عليه ، وتعديته هنا بالى إمّا باعتبار أنّ حروف الجرّ قد يجيء بعضها في موضع بعض أو بتضمين معنى الدعاء ونحوه ، والمراد بالذّكر ذكر الله تعالى بالقلب واللّسان في جميع الأحوال وله شرف عظيم قال الله تعالى ( واذكر ربّك في نفسك تضرّعاً وخيفة ) قال ( يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا ) وقال ( اذكروني أذكركم ) وقال الصادق ( عليه السلام ) : « و قال الله تعالى من ذكرني في ملاء من الناس ذكرته في ملاء من الملائكة » ( 2 ) المراد به ذكر آلاء الله ونعمائه أو الصلاة والدعاء لأنّهما نوعان كاملان من الذكر والقرآن العزيز . ( و دلّهم على سبيل الهدى من بعده بمناهج ودواع أسّس للعباد أساسها ) المناهج جمع المنهج وهو الطريق الواضح الّذي لا يضلّ سالكه . والدّواعي جمع داعية التي تدعوهم إلى اتّباع سبيل الهدى . والأساس جمع أُسّ بالضمّ وهو أصل الحائط وضمير التأنيث يعود إلى المناهج والدّواعي ، والمراد بتأسيس الأساس : وضعها وإحكامها ، وبسبيل الهدى : الطريقة الشرعيّة ، وبالمناهج ، الأوصياء الطاهرين . ويجوز أن يراد بالأوّل الأوصياء وبالأخير الأدلة الدالة على خلافتهم ( ومنائر رفع له أعلامها ) عطف على « سبيل الهدى » والمنائر جمع المنارة على القياس لأنَّ وزنها مفعلة إذ أصلها
1 - العدد - بكسر العين وفتح الدال - جمع عدة - بالضم - وهي الاستعداد . 2 - رواه الكليني في كتاب الدعاء من الكافي باب ما يجب من ذكر الله في كل مجلس .