الاستبعاد مدفوع إذ لا نسلّم أن في الآية الكريمة دلالة على الحصر لجواز أن يكون ذكراً لواسطة مسكوتاً عنه ولو سلّم ، فلعلَّ المراد بالايمان والكفر في الآية أصلهما ولا واسطة بينهما لاكمالهما وثبوت الواسطة بين كمالهما ظاهر ( قال : إنَّ العبد ) أراد به العبد العارف بالله في الجملة بقرينة قوله « فلو أخلص نيته لله » ( يرفع رغبته ) أي حاجته ومراده وما يرغب فيه من أُمور الدُّنيا ( إلى مخلوق ) لظنّه بصور عقله أنّ المخلوق يرفع حاجته ويحصّل بغيته فيتذلّل له ويتخشّع ( فلو أخلص نيّته لله ) ويرفع رغبته وحاجته بالقصد الخالص عن شوائب الأوهام إليه سبحان ( لأتاه الّذي يريد ) أتاه من أتى يأتي بمعنى جاءه ، أو من آتي يؤتى بمعنى أعطاه والموصول على الأول فاعله وعلى الثاني مفعوله ( في أسرع من ذلك ) أي من إتيانه عند ذلك المخلوق أو من وقت الرفع إلى المخلوق ، أو من الوقت الّذي يتوقّع حصول مطلوبه عند المخلوق وذلك لشمول قدرته تعالى على جميع المقدورات وإحاطته بجميع الممكنات فيتحقّق ما أراد بمحض الإرادة من غير حاجة إلى استعمال آلة وانتظار رويّة فهذا العبد ليس مؤمناً حقيقياً لقصور نيّته بالله تعالى ولا كافراً محضاً لعلمه بالصّانع فقد أفهم ( عليه السلام ) ثبوت الواسطة بمثال جزئي وأزال وهم السائل ، كما هو شأن المعلّم الشفيق ، وممّا يدلُّ على ثبوت الواسطة ما روي عن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) قال : « إنّ علياً بابٌ من أبواب الهدى فمن دخل من باب عليّ كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في طبقة الّذين فيهم المشيّة » ( 1 ) ويحتمل أن يكون معنى الحديث أنّ السبب للخروج من الايمان الفطري إلى الكفر ليس إلاّ قلّة العقل وما ذكرناه أوّلا أوفق وأنسب . * الأصل : 34 - « عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبيد الله الدهقان ، عن أحمد بن عمر الحلبيّ ، عن يحيى بن عمران ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : بالعقل استخرج غور الحكمة وبالحكمة استخرج غور العقل ، وبحسن السّياسة يكون الأدب الصالح قال : وكان يقول : التفكر حياة قلب البصير ، كما يمشي الماشي في الظلمات بالنور بحسن التخلّص وقلّة التربّص » . * الشرح : ( عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبيد الله الدِّهقان ، عن أحمد بن عمر الحلبيِّ ) ثقة ( عن يحيى بن عمران ) ثقة ( عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يقول : بالعقل استخرج غور الحكمة وبالحكمة استخرج غور العقل ) غور كلِّ شئ عمقه وبعده وغاية خفاه وهذا الكلام يمكن
1 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب الكفر تحت رقم 18 .