( والقاهر الّذي لا يؤوده حفظها ) آدني الحملُ يؤودني أوداً ، أي أثقلني ، وأنا مؤود مثال مقول . يعني لا يثقله ولا يتعبه حفظه للأشياء مثل السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما لأنّ فعله سبحانه بمجرّد الإرادة والمشيئة ولا يحتاج فيه إلى استعمال الآلات وتحريك الجوارح كما يحتاج إليهما أصحاب الصنايع فلا مدافع له في فعله أصلا فلا يلحقه الانفعال ، ولا يعرض له الثقل والتعب والكلال . تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً . ( والقادر الّذي بعظمته تفرّد بالملكوت ، وبقدرته توحّد بالجبروت ) القادر من أسمائه تعالى ومعناه المتمكّن من جميع الأشياء بحيث لا تطيق شئٌ منها الامتناع عن مراده ولا يستطيع الإباء عن إصداره وإيراده . وله في هذا النحو من التمكّن وصفان : الأوّل الكبرياء والعظمة ، والثاني القدرة التامّة ، و « الملكوت » فعلوت من الملك - بالكسر - وهو الموضع كالمملكة وخصّ بعد الزيادة بملك الله تعالى سواء كان من عالم المجرّدات والمفارقات أو من عالم الجسمانيّات والمقارنات ، ولو اجتمع الملك والملكوت كما في قولهم « يا ذا الملك والملكوت » يراد بالملك الجسمانيات وبالملكوت المجرّدات . « والجبروت » من الجبر وهو إغناء رجل من فقر ونحوه أو إصلاح عظمه من كسر ونحوه ، ومنه الجبّار من أسمائه تعالى لأنّه يغنى من يشاء متى يشاء ويجبر مفاقر الخلق ويكفيهم أسباب المعاش والرّزق ويصلح نقائص حقائق الممكنات بإفاضة الوجود وما يتبعه من الخيرات والكمالات وهو أيضاً خصّ بعد الزّيادة بالله سبحانه . والمقصود أنّه تعالى شأنه بالوصف الأوّل تفرَّد بمالكيّة جميع الأشياء من الممكنات المجرّدة والماديّة ، لأن العظمة المطلقة مقتضية لعدم المشاركة ، وأمّا المالك غيره فانّما هو مالك بالإضافة وله عظمة بالإضافة ، وهي عند ذاتها بذاتها ليست عظمة بل هي عجز وقصور . وبالوصف الثاني تفرّد بايجاد الممكنات وإصلاحها وتكميلها بإفاضة ما يليق بها من الكمالات وإفنائها متى يشاء ، من غير معارض ولا مدافع لأنَّ القدرة الكاملة الإلهيّة توجب عدم مشاركة الغير معه في شئ من ذلك فكلّ شئ مملوك له منقاد لأمره ، وكلّ كامل مستكمل به مفتقر إليه ، وهو الغني الحميد . ( وبحكمته أظهر حججه على خلقه ) الحكمة العلم والاتقان ; والله سبحانه حكيم لأنّه عالم بحقائق الأشياء متقن بخلقها بلطف التدبير وحسن التصوير والتقدير . و « الحجج » جمع الحجّة والمراد بها هنا البرهان ، يعني أنّه سبحانه بحكمته البالغة أظهر براهين وجوده ووحدته وقدرته وساير كماله على خلقه بايجاد الممكنات وتصوير المخلوقات على النظام المشاهد ، ويحتمل أن يراد باظهار الحجج نصب الأنبياء والأوصياء إلاّ أنّه يوجب التكرار فيما سيأتي . ( اخترع الأشياء إنشاء وابتدعها ابتداء بقدرته وحكمته ) لا أجد لأهل اللّغة فرقاً بين الاختراع