والحجاج يسألوننا أن نستسقي لهم ، فأتينا الكعبة ، وطفنا بها ، ثم سألنا الله خاضعين متضرعين بها ، فمنعنا الإجابة . فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل وقد أكربته أحزانه ، وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة أشواطا ، ثم أقبل علينا ، فقال : يا مالك بن دينار ! ويا ثابت البناني ! ويا صالح المري ! ويا عتبة الغلام ! ويا حبيب الفارسي ! ويا سعد ! ويا عمر ! ويا صالح الأعمى ! ويا رابعة ! ويا سعدانة ! ويا جعفر بن سليمان ! فقلنا : لبيك وسعديك يا فتى ! فقال : أما فيكم أحد يحبه الرحمن ؟ فقلنا : يا فتى علينا الدعاء ، وعليه الإجابة . فقال : ابعدوا عن الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمن لأجابه . ثم أتى الكعبة فخر ساجدا ، فسمعته يقول في سجوده : سيدي بحبك لي إلا سقيتهم الغيث . قال : فما استتم الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب . فقلت : يا فتى من أين علمت أنه يحبك ؟ قال : لو لم يحبني لم يستزرني ، فلما استزارني علمت أنه يحبني ، فسألته بحبه لي فأجابني ، ثم ولى عنا ، وأنشأ يقول : من عرف الرب فلم تغنه * معرفة الرب فذاك الشقي ما ضر في الطاعة ما ناله * في طاعة الله وما ذا لقي ما يصنع العبد بغير التقي * والعز كل العز للمتقي فقلت يا أهل مكة من هذا الفتى ؟