لابدّ من جعل هذا من تتمة السؤال وجعل جملة قوله : " وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " إلى آخره استفهاماً من الراوي ، وقوله : " صدقت " ، اعتراض في أثناء السؤال ، والمعنى كان عيسى يفعل كذا ، وكان سليمان يفعل كذا ، فهل كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقدر على ذلك كلّه ؟ وإنّما ألجأنا إلى هذا عدم استقامة قوله : فقال : " إنّ سليمان بن داود قال للهدهد " إلخ بالفاء ، ولابدّ أيضاً من حمل قوله : قال للهدهد على تنزيله منزلة اللازم الذي لا مفعول له أصلاً ، أي أصدر القول للهدهد حين فقد وشكّ في أمره ، وقوله : فقال الخ بيان لذلك الإجمال ، وجملة : " حين فقده فغضب عليه " عطف بيان أو بدل من الظرفيّة قبلها ، والغرض من هذا كلّه جواب السائل وأنّه إذا أُعطي طائر ما لم يعط سليمان بن داود فأيّ بُعْد في أن يعطي سيّد المرسلين ما لم يعطه ، فلمّا رفع استبعاد ذلك وجعله مأنوساً لطبيعة السائل شرع ( عليه السلام ) في الاستدلال عليه بقوله : " وإنّ الله سبحانه يقول في كتابه : ولو أنّ قرآناً " إلخ ثم قال ( عليه السلام ) : " وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه " كذا وكذا ، " ونحن نعرف الماء تحت الهواء " بلا دلالة هدهد ولا غيره . ثم إنّه ( عليه السلام ) لمّا علم استعظام لذلك وأن يكون في القرآن ما يفعل به ذلك وهم يعلمونه ويتحمّلون مكائد الأعداء ولا يدفعونهم به أجاب بقوله : " إنّ في كتاب الله آيات ما يراد بها أمر إلاّ أن يأذن الله سبحانه به " ولم يأذن لنا في ذلك ثم إنّه ( عليه السلام ) قال : " كل ذلك مع ما قد يأذن الله ممّا كتبه الماضون جعله الله لنا في أُمّ الكتاب " . فإن قلت : المفهوم من هذا أنّ تسيّر الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى ، أي إحياءهم ، ثابت لهذا القرآن وهو ينافي قولهم : لو لامتناع الثاني لامتناع الأوّل ، إذ المعنى يصير هكذا : لو أنّ قرآناً ثبت له كذا لكان هذا ؛ لكنّه ليس فليس . قلت : على تقدير أن يقدّر الشرط والجزاء كما قدّرته فالأمر كذلك ، وأمّا على ما هو المفهوم من الحديث فتقديره : لو أذن في تسيّر الجبال بقرآن ، أي ببعض من هذا القرآن ، أو تقطيع الأرض به ، أو إحياء الموتى لما آمنوا فليس الأمر كما زعمت ،