ولم تذكر لنا التواريخ مولده ، ولكن عده في طبقة أبي مخنف يحملنا على القول بأنه كان من المعمرين ، إذ أن أبا مخنف لوط بن يحيى توفي قبل سنة 170 كما ذكر ابن حجر في لسان الميزان . وذلك يرجح أن ولادة نصر كانت قريبة من سنة 120 . ويذكر المترجمون له أنه كان عطارا يبيع العطور ، ولعل ذلك مما أسبغ على تأليفه ذلك الذوق الحسن الذي يلمع في أثناء كتابه . ولعل ذلك أيضا مما أكسبه هذه الروح البارعة في التأليف ، إذ أنه يسوق مقدمات حرب صفين في حذق ، ثم هو يصور لنا الحرب وهي دائرة الرحى في دقة تصوير وحسن استيعاب ، ويروي لنا أحاديث القوم وخطبهم وأشعارهم ، على ما في ذلك الشعر من صناعة الرواة أو تلفيق أصحاب الأخبار ، ولكنه في ذلك كله يكاد لا يخطئه التوفيق في مراعاة الانسجام ، واستواء التصوير ، واتساق العرض . والمؤرخون يختلفون في توثيق نصر ، شأنهم في كل راو من الشيعة ، فبينا يذكره ابن حبان في الثقات [1] ، ويقول ابن أبي الحديد الشيعي في شأنه [2] : ( ونحن نذكر ما أورده نصر بن مزاحم في كتاب صفين في هذا المعنى ، فهو ثقة ثبت صحيح النقل غير منسوب إلى هوى ولا إدغال . وهو من رجال أصحاب الحديث ) ، إذ يقول فيه العقيلي : ( شيعي في حديثه اضطراب ) . ويقول أبو حاتم : ( زائغ الحديث متروك [3] ) . ومهما يكن فإن الناظر في كتابه هذا يلمس هدوء المؤرخ الذي لا تستفزه العصبية إلى هواه ، إلا في القليل لا يستطيع منه إفلاتا ، فهو حين يذكر مثالب معاوية لا يخفى مطاعن الأعداء في علي .