واحد منهما صاحبه [1] . وكان مع عمرو ابن عم له فتى شاب ، وكان داهيا حليما [2] ، فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى وقال : ألا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش ؟ أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك . أترى أهل مصر - وهم قتلة عثمان - يدفعونها إلى معاوية وعلي حي ؟ وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب ؟ فقال عمرو : يا ابن الأخ ، إن الأمر لله دون على ومعاوية . فقال الفتى في ذلك شعرا : ألا يا هند أخت بني زياد * دهى عمرو بداهية البلاد [3] رمى عمرو بأعور عبشمي * بعيد القعر مخشى الكياد [4] له خدع يحار العقل فيها * مزخرفة صوائد للفؤاد
[1] قال ابن أبي الحديد ( 1 : 138 ) : " تفسيره أن معاوية قال للكاتب اكتب على ألا ينتقض شرط طاعة ، يريد أخذ إقرار عمرو له أنه قد بايعه على الطاعة بيعة مطلقة غير مشروطة بشئ . وهذه مكايدة له ، لأنه لو كتب ذلك لكان لمعاوية أن يرجع في إعطائه مصرا ولم يكن لعمرو أن يرجع عن طاعته ويحتج عليه برجوعه عن إعطائه مصرا ، لأن مقتضى المشارطة المذكورة أن طاعة معاوية واجبة عليه مطلقا سواء كانت مصر مسلمة إليه أو لا . فلما انتبه عمرو على هذه المكيدة منع الكاتب من أن يكتب ذلك وقال : بل اكتب : على أن لا تنقض طاعة شرطا يريد أخذ إقرار معاوية له بأنه إذا كان أطاعه لا تقض طاعته إياه ما شارطه عليه من تسليم مصر إليه . وهذا أيضا مكايدة من عمرو لمعاوية ، ومنع له من أن يغدر بما أعطاه من مصر " . [2] الحليم : ذو الأناة والعقل . وفي ح : " وكان لعمرو بن العاص ابن عم من بني سهم أريب " . وفي الإمامة والسياسة : " وكان مع عمرو بن العاص ابن أخ له جاءه من مصر " . وانظر ما سيأتي في س 5 هذه الصفحة من قوله : " يا ابن الأخ " وما سيأتي بعد القصيدة في الصفحة التالية . [3] أراد : دهى ، فسكن آخره للشعر . وفي ح : " رمى " وكلاهما بالبناء للمفعول . [4] في الأصح و ح : " محشي الكباد " ، وإنما يريد أنه يخشى كيده .