أهل الشام ، وكان في الناس ردف بشر بن عصمة وهو الثاني في الناس ، فنادى : ألا من مبارز ؟ فأحجم الناس عنه ، فقام المقطع العامري وكان شيخا كبيرا ، فقال له علي : اقعد إنك شيخ كبير وليس معه من رهطه أحد غيره ، ما كنت لأقدمك . فجلس . ثم إنه نادى ابن مقيدة الحمار : ألا من مبارز ؟ الثانية . فقام المقطع ، فأجلسه على أيضا . ثم نادى الثالثة : ألا من مبارز ؟ فقام المقطع فقال : يا أمير المؤمنين ، والله لا تردني ، إما أن يقتلني فأتعجل الجنة ، وأستريح من الحياة الدنيا في الكبر والهرم ، أو أقتله فأريحك منه . فقال له على : ما اسمك ؟ قال : أنا المقطع ، قد كنت أدعى هشيما فأصابتني جراحة فسميت مقطعا منها . فقال له : اخرج [ إليه ، وأقدم عليه ] ، اللهم انصره ! فحمل عليه المقطع ، فأجهش ابن مقيده الحمار ، وكان ذكيا مجربا ، فلم يجد شيئا خيرا من الهرب ، فهرب حتى مر بمضرب معاوية [1] والمقطع على أثره فجاز معاوية فناداه معاوية : لقد شمص بك العراقي [2] . قال : لقد فعل ! ثم رجع المقطع حتى وقف في موقفه : فلما كان عام الجماعة [ و ] بايع الناس معاوية سأل عن المقطع العامري حتى نزل عليه ، فدخل عليه فإذا هو شيخ كبير ، فلما رآه قال : أوه ، لولا [3] أنك في هذا الحال ما أفلتني . قال : نشدتك الله إلا قتلتني وأرحتني [4] من بؤس الحياة ، وأدنيتني إلى لقاء الله . قال : إني لا أقتلك ، وإن لي إليك لحاجة . قال : فما حاجتك ؟ قال : جئت لأواخيك . قال : إنا وإياكم قد افترقنا في الله ، أما أنا فأكون على حالي حتى يجمع الله بيننا في الآخرة .
[1] المضرب ، بكسر الميم : الفسطاط العظيم . [2] في الأصل : " شخص " وأثبت ما في ح . الشمص : الإعجال ، والتشميص : السوق والطرد العنيف . [3] في الأصل : " لو علمت " والوجه ما أثبت من ح . [4] في الأصل : " إلا قتلت وأرحت " وأثبت ما في ح .